إيطاليا تهتز بفعل تداعيات التغيرات المناخية

الساعات الأولى من صباح أحد أيام السبت، اجتاحت موجة من الطين والمخلفات جزيرة إيشيا الإيطالية، قبالة نابولي، وأغرقت المنازل وألقت بالسيارات في البحر. فقد هزت الصور المرعبة لهذا الانهيار الأرضي شبه الجزيرة، التي سبق لها أن شهدت سلسلة من الأحداث المناخية العنيفة والمتكررة منذ بداية السنة، لتكون بذلك العواقب المأساوية للاحتباس الحراري التي تجتاح إيطاليا بشدة أسوأ وأسرع مما كان يخشاه الخبراء، إلى جانب التخوف من ازدياد الخسائر التي تسببها.
فخلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، شهدت إيطاليا 254 حادثا مناخيا شديدا، أي بزيادة قدرها 27 بالمائة مقارنة بسنة 2021، وفقا لبيانات صادرة مؤخرا عن Legambiente، إحدى المنظمات البيئية الرئيسية في شبه الجزيرة. وهو معطى ليس بجديد، حيث أثرت أكثر من 1500 ظاهرة مناخية مدمرة على 780 بلدية إيطالية خلال الثلاثة عشر سنة الماضية، وفقا للتقرير السنوي “CittàClima 2022″، الذي أشار أيضا إلى أن المناطق الكبيرة، بما في ذلك صقلية (175) ولومبارديا (166) ولازيو (136)، تأثرت هي أيضا بشكل أكبر.
وبحسب الوثيقة، يتوقع ازدياد عدد الظواهر المناخية الشديدة، مشيرة إلى أن النماذج المناخية المختلفة تتفق على ارتفاع درجة الحرارة إلى حدود 2 درجة مئوية خلال فترة 2021-2050 (مقارنة بالفترة 1981-2010). وهو تهديد يلقي بثقله على المناخ بإيطاليا ولكن لن تتوقف عنده.
هذه التغييرات سيكون لها، في الواقع، آثار سلبية على الاقتصاد الإيطالي على المديين المتوسط والبعيد، حيث تؤثر بشكل خاص على قطاعي الزراعة والسياحة، وفقا لما يؤكد تقرير نشره مؤخرا بنك إيطاليا حول “تأثير تغير المناخ على الاقتصاد الإيطالي”.
وكشف التقرير أن الصناعة السياحية والإنتاج الزراعي سيكونان على رأس القطاعات التي ستتأثر بهذه التغييرات، مضيفا أنه، انطلاقا من تحليل السيناريوهات المختلفة لارتفاع متوسط درجات الحرارة، فإن الخسارة الكبيرة في محاصيل الذرة والقمح الصلب ستكون حتمية، مع متوسط درجات حرارة أعلى من 28 درجة مئوية إلى 29 درجة مئوية.
وتابع أن الارتفاع المطرد في درجة الحرارة سيؤدي، أيضا، إلى انخفاض معدل دخول الشركات الجديدة إلى السوق وزيادة محدودة في معدل الخروج من السوق، كما سيؤثر على مستوى أرباح الشركات النشيطة. فضلا عن ذلك، فإن قطاع السياحة مهدد كذلك، لاسيما السياحة الجبلية، وهي أحد الأنشطة السياحية الرئيسية في شبه الجزيرة، فقبل بداية جائحة كورونا، تركزت حوالي 13 بالمائة من ليالي المبيت في الفنادق بإيطاليا في المنتجعات الجبلية، في وقت بلغ فيه إنفاق السياح الأجانب حوالي ملياري يورو.
ووفقا للدراسة، في المتوسط، يتوافق انخفاض الثلوج بمقدار متر واحد خلال موسم الشتاء بانخفاض نسبته 1.3 بالمائة في ارتياد منتجع التزلج، وهي نسبة يمكن أن تكون أعلى بكثير في الأماكن الواقعة على ارتفاعات منخفضة.
وإدراكا منها لهذه الوضعية، التزمت شبه الجزيرة بقوة بحذف الكربون من اقتصادها، مع اتخاذ تدابير تشمل التخلص التدريجي من الفحم بحلول سنة 2025، وتشجيع تجديد المباني من خلال تحفيزات ضريبية مهمة، وزيادة استخدام الطاقات المتجددة في قطاعات الكهرباء والتدفئة والنقل.
وبصفتها المستفيد الرئيسي من صندوق الانتعاش الأوروبي، سيتعين على روما استخدام هذه الموارد لتلبية متطلبات الهدف الأوروبي الجديد المتمثل في خفض صافي الانبعاثات بنسبة ناقص 55 في المائة بحلول سنة 2030.
وفي هذا الصدد، تمثل الاستثمارات الخضراء 53 بالمائة من إجمالي غلاف المخطط الوطني للتعافي والقدرة على الصمود، أي ما مجموعه 68.6 مليار يورو، تشمل تطوير الاقتصاد الدائري وتجديد مخزون المباني العامة والخاصة، وتعزيز التكنولوجيات الجديدة المتعلقة بالطاقات المتجددة.
وأمام ضغوط الدين العام وتوقعات بركود النمو، بسبب التضخم والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، تريد الرئيسة الجديدة للحكومة الإيطالية، جيورجيا ميلوني، إعادة تعديل خطة التعافي، التي تبدو أهدافها صعبة التحقق. إنه سيناريو مقلق بالنسبة لبروكسيل، التي لن تقبل سوى تعديلات “محدودة للغاية”، وفقا لما صرح به المفوض الأوروبي للاقتصاد.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي