فرح المغاربة بسلسلة انتصاراتهم الكروية في كأس العالم ومعهم أمم أخرى مسلمة ومسيحية ويهودية وبوذية وأخرى من السهل إلى الجبل ومن الريف إلى الاطلس ومن طنجة إلى لكويرة ومن إسبانيا إلى أمريكا ومن أستراليا إلى آسيا. أرادت إرادة خالق الأكوان أن تلتئم قلوب ملايير البشر لتنشد في تناغم أملا في أن يعلو علم المغرب فوق سماء مونديال دولة قطر.
علمونا في كلياتهم أن الانفتاح على الآخر قيمة كونية وقالوا لنا أن حرية الاختيار مفتاح إلى حضارة وأكدوا بخطاباتهم أن القوة لا تكتسب الا بالعلم والتكنولوجيا والإبداع الإنساني وصدقناهم وفي قلوبنا شك منهجي حسب ما قال علماؤهم. اخترعوا صناعة العنف الاستعماري وقالوا إنها رسالة لنقل الحضارة. فتحوا طرقا وسككا حديدية وقالوا إنها دعم لبناء الاقتصاد واستعملوها لتهريب المعادن والمحاصيل الزراعية وحتى البشر لكي يضعوه في الصفوف الأمامية في حروبهم بأوروبا وحفر أنفاق الميترو وإخراج الفحم الحجري من أعماق أراضيهم في الشمال. ورغم كل هذا لم يشبعوا ولم يفتحوا قلوبهم ولم يحدوا من استغلال لثروات غيرهم ولم تنالهم نبرة ندم على صناعتهم للفقر والانقلابات واستغلال كل شبر من الأراضي لدعم أبناكهم وشركاتهم وحتى مؤسسات اعلامهم العنصري.
نعيش لحظات فرح قد تكون عابرة وقد تكون فرصة للثورة على أنفسنا وخصوصا على التعمق في إمكانيات افتحاص علاقاتنا بغرب أوروبي متدهور ومصر على عنصريته ورغبته الجامحة في استغلال ثروات أفريقيا. خرج مغاربة العالم في كافة ربوع الأرض ووجدوا كل الحب في كثير من الدول. ولكن آلة بعض الدول الغربية وخصوصا في فرنسا تحركت لتعبر عن حقدها الأعمى على كل من يختلف عنها أو من يعاندها أو حتى من يريد أن يضع قاعدة المعاملة بالمثل على رأس مبادىء سياسته الخارجية.
من يشاهد قنوات تلفزيونات فرنسا التي لا زالت تسكنها نقائص التعالي يتأكد أن مرض العنصرية لا زال يسكن أغلبها. كثيرة هي حالات القمع الدكتاتوري الذي تجاوز ستالين وموسوليني لقمع احتفال شباب بفوز بلدهم الأصلي أو بلد الإقامة في مباراة كرة قدم. قال لي أحد الأصدقاء أن إبنه خرج صحبة بعض الطلبة في إحدى المدارس العليا للاحتفال بإحدى مدن شمال فرنسا. وهناك لمسوا، وهم الذين ظنوا أن الاحتفال غير ممنوع في ما كان يسمى بلد حقوق الإنسان، أن الكراهية تسكن رجال الأمن في قعر عقولهم. طلب شاب، في طريقه لأن يصبح مهندسا في أكثر الاختصاصات طلبا لدى كبريات الشركات العالمية، من الشرطي الذي منعه من الوصول إلى محل إقامته أنه مضطر لدخول بيته لأخذ دواءه ضد الربو، فما كان من الشرطي المعجون بقيم العنصرية إلا أن يجيبه بأن عليه أن يجني نتيجة اختياره للفرح بانتصار المغرب.
حين أسمع شهادات من هذا النوع، استرجع بعض الصور التي لا زالت خالدة بذهني حين وصلت إلى فرنسا قبل عقود. صحيح أن سنوات الدراسة بجامعة بوردو كانت سنوات اكتشاف كثير من الأحرار فكريا والمبدعين فلسفيا والملتزمين سياسيا، ولكن بعض الأساتذة ذوي الاتجاهات ” اليمينية” كان لهم ميل كبير إلى اعتبار الأجانب من الباحثين أقل قدرة على التفكير والتحليل والتمييز بين الأمور. ولكن الجهد والعمل والبحث العلمي كانوا خير وسيلة لمواجهة العنصريين.
المشكل في تعامل ذلك الإعلام الفرنسي الغارق في العنصرية وفي بعض مكونات الآلة الأمنية هو نسيان التكوين الاثني والجغرافي والديني للاعبي المنتخب الفرنسي. هذا الفريق هو الذي حمله زيدان إلى درجة بطل العالم فى 1998. وهو الذي مكنه ذوي الأصول الأفريقية والعربية والامازيغية من وضع النجمة الثانية على قميصه الفرنسي سنة 2018. العنصريون ذوي ذاكرة يحاصرها الجهل بالتاريخ وبالحضارة الإنسانية وبمبادئ حقوق الإنسان الكونية. إنها مباراة كرة القدم التي عرت قبل أن تبدأ على حقيقة القناع. قناع العنصرية التي تكره الآخر ولا تريده أن يفرح. قال بعض رواد النكتة أن مباراة المغرب ضد فرنسا هي في نفس الوقت نهاية كأس أفريقيا.
تعليقات ( 0 )