بوصوف يلامس خطوط التماس بين الهجرة والإعلام

 

يواصل عبد الله بوصوف، المؤرخ والأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، تفكيكه لعدد من القضايا والملفات الشائكة التي تلامس إشكالات الهجرة. فقد حل بوصوف ضيفا على بيت الصحافة بمدينة طنجة، ليقارب موضوع “الإعلام والهجرة”، وهو العارف بخبايا هذا الملف من منطلق خبرته وتجربته سواء من موقع المسؤولية، أو من خلال مساهماته الواسعة في تحليل مختلف أبعاد قضية الهجرة، ومنها البعد الإعلامي.
بالنسبة لعبد الله بوصوف، فمدينة طنجة تبقى تاريخيا هي الفضاء الطبيعي للهجرة والإعلام بامتياز. فهي المدينة التي كانت تاريخيا مدينة للهجرة، تستقبل موجات المهاجرين واللاجئين والمضطهدين القادمين من الشمال إلى المغرب، والبوابة التي يغادر منها المهاجرون المغاربة نحو الشمال.
وهي أيضا، حسب المؤرخ عبد الله بوصوف، المدينة التي دخل منها الإعلام الدولي إلى المغرب عبر البعثات الدبلوماسية المتواجدة في طنجة بحيث كانت من مهام دار النيابة الاطلاع على أخبار العالم الخارجي والتعرف على سياسة الدول الممثلة في المدينة بقصد إعلام المخزن.
كما أن طنجة هي مهد أولى الجرائد الوطنية المغربية سنة 1907 وهي جريدة “لسان المغرب” والتي تأسست بدورها على يد مهاجرين لبنانيين هما الأخوان نمور.
في هذا الإطار، سلط بوصوف الضوء على تحولات العلاقة بين الإعلام والهجرة. فقد شهدت هذه العلاقة تحولا بنيويا مرتبط أساسا بتأثير تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتحول تركيبة الهجرة. ففي السابق كانت وسائل الإعلام بالهجرة بالنسبة للمهاجر كنافذة للتحسيس بمشاكله وكشف الغطاء عن هشاشة وضعيته الاجتماعية وتعريف الرأي العام بالمسارات الفريدة التي قد تشكل مصدر إلهام للمجتمع وتغير من نظرته إلى الأشياء.
هذه العلاقة، يتابع بوصوف، عرفت تحولا مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت المواطن/المهاجر في شبه غنى عن خدمات وسائل الإعلام لإيصال رسالته. لقد أصبح المهاجر بدوره هو المواطن الصحفي الغير خاضع لأي رقابة تحريرية ولا لقرار فوقي من أجل برمجة موضوعه ضمن اختيارات هيئات التحرير.
هذا التحول مرده أيضا إلى التحول في مكونات الهجرة. فبخلاف مهاجري الجيل الأول فإن لدى الأجيال الجديدة من المهاجرين تمكن واسع من استخدام أدوات التواصل الحديثة ودراية واسعة بتقنيات التأثير للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين، والذي قد يفوق أحيانا عدد قراء جميع الجرائد الصادرة في اليوم.
ويرى الخبير المغربي في قضايا الهجرة أن التناول الإعلامي المغربي لقضايا الهجرة في المغرب مازال اهتمام وسائل الإعلام الكلاسيكية، جرائد الورقية والتلفزيون والإذاعة، مرتهن بقالب التناول الاعتيادي لتيمة الهجرة باعتبارها موضوعا مثل باقي المواضيع الثانوية في ترتيب الأولويات.
هذا التناول، وفق التحليل الذي قدمه بوصوف، مازال يعاني من نقائص من بينها اهتمام موسمي يقتصر أساسا على فترة الصيف، وعدم التمكين من معرفة عميقة بقضية الهجرة واشكالياتها، ترجمة المقالات الصادرة في وسائل إعلام دول الإقامة بشكل حرفي ودون تمحيص، ينقل مواقف وإيديولوجيات تتحكم في الأخبار التي تكتب عن الأجانب.
كما أشار في هذا الإطار إلى الاهتمام ب”الصحافة الجالسة” في تحليل قضايا الهجرة وضعف المواد الصحفية المبنية على عمل ميداني. لكن هناك دينامية إيجابية تسجل في التناول الإعلامي للهجرة في السنوات الأخيرة من الناحية العددية خصوصا مع الانتشار الواسع للجرائد والمواقع الإلكترونية.
وقد ساهم عاملان أساسيان في هذه الدينامية. أولا حضور الهجرة بشكل متزايد كموضوع وكحقل دراسات في التكوينات الجامعية في مختلف الجامعات المغربية وحتى في معاهد تكوين الصحفيين مثل المعهد العالي للإعلام والاتصال.
ثانيا تخصيص عدد من الجرائد الإلكترونية ركنا قارا للمهاجرين ضمن اختياراتها التحريرية. ثالثا الاستعمال المكثف للمهاجرين لوسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بنفسهم ونقل معيشهم اليومي ومساراتهم، فأصبحوا بالتالي مادة غنية وجديرة بالاهتمام من طرف الجرائد الإلكترونية.
وقدم بوصوف بعض المقترحات المنهجية في التعامل مع قضايا الهجرة
بصفة عامة. فمعالجة وسائل الإعلام المغربية لمواضيع الهجرة من الضروري أن تأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصيات في بنية الموضوع.
أولا، إن غياب معرفة عميقة بإشكاليات الهجرة وغياب صحافيين متخصصين في قضايا الهجرة بالإضافة إلى ضعف المعرفة بسياقات بلدان الهجرة الاقتصادية والثقافية والسياسية، يفرغ الموضوع من بعده الاستراتيجي سواء في الأجندات العالمية او الأجندة الوطنية.
ثانيا، إن خاصية السرعة التي تميز وسائل الإعلام الحديثة وإن كانت تمكن من الوصول في وقت قياسي إلى الخبر من مصدره فإنها تكتفي في نفس الوقت بمعالجته بشكل سطحي، مما يجعل حيزه الزمني قصير الأمد éphémère وتأثيره محدود في الرأي العام.
ثالثا، يسجل بروز فاعلين غير حكوميين يستهدفون صناع الرأي العام وخاصة الصحافيين الشباب عبر دورات تكوينية وتدريبات مهنية، توجه التعامل مع قضايا الهجرة نحو جوانب تخدم أجندات الممولين الدوليين وتبعد قضايا هجروية أخرى أكثر أهمية من دائرة الأضواء الإعلامية. مثال : توجيه الصحافيين المغاربة للاهتمام بمعالجة إشكاليات الهجرة الإفريقية في المغرب التي تبقى من الناحية العددية أقل بكثير من الهجرة المغربية في الخارج، وأحيانا “استيراد” زاويات معالجة من الخارج وتنزيلها على السياق المغربي (العنصرية، الاندماج…) حتى وإن كانت غير متلائمة مع السياق الوطني ومع تركيبة المجتمع المغربي.
رابعا، أصبحت الهجرة مسألة ذات بعد استراتيجي بالنسبة للدول الأوروبية التي تعرف حضورا كبيرا للمهاجرين المغاربة، وموضوعا أساسيا في جميع الحملات الانتخابية، مع غلبة التوجه المحافظ الرافض للأجانب والمدافع عن الحمائية الثقافية والدينية الغربية على حساب قيم التعدد والتنوع. وهو ما يجعل الجاليات المغربية خاضعة لضغوطات إيديولوجية وسياسية في مجتمعات الإقامة، والتطرق إليها يقتصر وذلك فقط على تسليط الضوء على الأخبار السلبية المعزولة وتضخيمها وهو ما يجد صداه في بعض وسائل الإعلام المغربي الذي يأخذ الأمر بدون تمحيص على أنه حقائق مطلقة ويساهم بالتالي في تكريس الأفكار الإيديولوجية التي يدافع عنها اليمين المتطرف.
خامسا، على غرار باقي القضايا ذات النفس السياسي فإن الهجرة بدورها أصبحت مجالا خصبا للأخبار الزائفة، التي يرتبط انتشارها بقوة الألة الإعلامية والمالية التي تقف وراءها. وبالتالي وجب الحذر من المضامين المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي واكتساب الأدوات الفكرية والمهنية للمقارنة وتدقيق الأخبار قبل تحريرها، خصوصا تلك التي تجعل المهاجرين مصدر للفوضى والجريمة والشغب والجريمة وعدم الاستقرار في المجتمعات، والتي تكون مصحوبة بصور وحتى فيديوهات مفبركة.
سادسا، هناك توجه لوسائل الإعلام العالمية بشكل مكثف نحو استغلال الإمكانيات التي تتيحها التطورات التكنولوجية واستعمالها في العمل الصحفي. هكذا فإن الوقت قد حان بالنسبة لوسائل الإعلام المغربية من اجل الانفتاح على ما تتيحه البرامج والخوارزميات والاستعانة بصحافة المعطيات data journalisme سواء في تغطية قضايا الهجرة أو غيرها، حتى لا تجد نفسها متجاوزة ليس فقط من طرف وسائل الإلام الدولية بل حتى من طرف المواطنين أو القراء الذين يشكلون عصب حياة اقتصاد وسائل الإعلام.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي