الحكومة رفضت تطبيق قانون للتدخل الاستثنائي ضد "الأسعار الفاحشة"

لوبي “النفطيين”.. أرباح تجاوزت 4500 مليار منذ تحرير سوق المحروقات

يستحق أولئك الذين جنوا أرباحا طائلة نتيجة هذه الأزمة العالمية وصف “أثرياء الحرب”. ففي الوقت الذي يتحمل عموم المواطنين عبء ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، تمكنت عدد من شركات المحروقات من تحقيق أرباح كبيرة جدا دون حسيب ولا رقيب، في ظل رفض حكومي بالتدخل من أجل تفعيل مقتضيات واضحة في قانون حرية الأسعار والمنافسة تمكنها من التدخل في الحالات التي يقع فيها ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار.

في الولايات المتحدة، التي تعد بلدا نفطيا ولا يمكن أن نقارن فيه أسعار المحروقات بمثيلاتها في المغرب، سارع الرئيس جو بايدن إلى المطالبة بفتح تحقيق السلوكات غير القانونية التي تقف وراء ارتفاع الأسعار. أما في المغرب، فلم يتجاوز موقف الحكومة التعليق على الارتفاع بتبريره بالأسعار الدولية وتقلبات صرف الدولار.

هذا الملف لم يبرح مكانه منذ تولي حكومة عزيز أخنوش تدبير الشأن العام، بالرغم من أنه مطروح بقوة فوق طاولة الجهاز التنفيذي، بعدما وضعت حكومة عبد الإله بنكيران هذا اللغم في طريق الحكومات المتعاقبة، وتحول مع مرور الوقت إلى كابوس حقيقي للمستهلك، حين رفعت الحكومة يدها بشكل كامل عن هذا القطاع، ودفعت بالشركات والمستهلك نحو مواجهة مباشرة.

مرت اليوم حوالي 7 سنوات على هذا القرار الخطير، دون أن يتم الكشف عن تفاصيل الصفقة الغامضة التي قادت وزير الطاقة السابق عبد القادر اعمارة إلى تنزيل قرار حول بموجبه المغاربة إلى وجبة دسمة للوبيات القطاع. فبين عشية وضحاها، سار التحكم في السعر والربح حكرا على الشركات.

الحكومة..تتفرج !

يعلم جيدا رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ومن معه في التحالف الثلاثي، أن ملف المحروقات “يحرق” كل من اقترب منه، ولنا في ما وقع في مجلس المنافسة خير دليل. لكنه يحرق أيضا جيوب المغاربة بشكل يومي، ليس لأن الأسعار في الأسواق الدولية مرتفعة، بل لأن الشركات التي تستورد وتوزع تحدد هوامش ربحها دون حسيب ورقيب، لأن السوق محررة ولا أحد بإمكانه أن يقول لهذه الشركات “كفى”.

سيتذكر المغاربة خرجات مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب الناطق الرسمي باسم الحكومة، حين صرح قائلا “للي عند وشي طموبيل يتحمل مسؤوليته”، في وقت كان مطلب المغاربة هو حماية جيوبهم فقط من النهب وليس توزيع “الصدقات” أو انتظار الدروس من وزراء يركبون فوق سيارات “99”، وباقي السيارات الموضوعة رهن إشارتهم وإشارة دواوينهم، بالرغم من أن الحصيلة لا تستحق كل هذا الإنفاق السخي على “بونات المازوط” وغيرها من امتيازات.

ربما حاولت الحكومة تبخيس غضب كبير من وضع غير مبرر، لكن الذي وقع مع مرور الأيام هو الملف بدأ يشعل النيران داخل الحكومة، فكان أول من يكتوي بنيرانه هو رئيس الحكومة نفسه عزيز أخنوش الذي تحول إلى موضوع وسوم انتشرت على نطاق واسع في وسائط التواصل الاجتماعي، حاملة شعار “أخنوش إرحل” ومعها مطالب تخفيض أسعار الوقود والبنزين.

ولأن الحكومة لا تبالي، ولا ينظر بعض قيادات حزبها الأول إلى هذه الفئة من المغاربة الغاضبين سوى كـ”مرضى”، لم تجد هذه الحملة الغاضبة آذانا صاغية لدى الحكومة، لكنها كادت تفجر الأغلبية حينما خرج حزب الأصالة والمعاصرة يدافع عما وصفه بـ”التعبيرات المجتمعية الحضارية” وهو ما أثار غضب التجمعيين الذين اعتبرت بعض قياداتهم الموقف ضربا تحت الحزام في سياق يتعرض فيه رئيس الحكومة لحملة تستهدف شخصه.

في مقابل ذلك، تواصل الحكومة منح الدعم لقطاع النقل بمختلف أنواعه وأشكاله في غياب أي تقييم لآثار ذلك على خفض الأسعار. ذلك أن هذا الدعم، التي خصصت لها اعتمادات تصل إلى ملياري درهم، لم تؤثر بشكل ملموس على الأسعار بما في ذلك النقل عبر سيارات الأجرة الذي عرف ارتفاعا في عدد من المدن، فضلا عن نقل البضائع وغيره، وهو ما كان له أثر مباشر على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.

صفقة غامضة

بالعودة إلى قصة التحرير، يمكن الجزم بأن الصفقة غامضة ومفاجئة، بعدما جرى الحديث عن المقايسة قبل أن يتم المرور بسرعة البرق إلى تحرير الأسعار، حيث استغلت حكومة بنكيران ظرفية المواجهة غير المسبوقة مع مالك شركة “لاسامير” لتطرق باب رجال أعمال القطاع لتأمين تزويد المغرب بالمحروقات، لكن مقابل ذلك تم التوقيع على قرار لازال المغاربة يؤدون ثمنه إلى اليوم.

بموجب هذا القرار لم تعد للحكومة أي سلطة للتدخل. فالأسعار تحدد بناء على تقلبات السوق، لكن الأخطر هو أن يكون تحديد الربح أيضا يخضع لمنطق يخل بالمنافسة، في ظل وضع ترتفع فيه الأسعار بشكل مستمر، ولا تنخفض إلا نادر..بل إن ما يقع من تقلبات في السوق الدولية لا ينعكس على السوق الوطنية عندما يتعلق الأمر بانخفاض حقيقي للأسعار.

هكذا، فقد شكل قرار تحرير سوق المحروقات أكبر ضربة للمستهلك، بعدما وجدت الحكومة نفسها عاجزة على التدخل، في وقت ظل مجلس المنافسة يراقب الوضع دون أن تمكنه السلطات الممنوحة له من طرف المشرع، إمكانية زجر أو ردع هذه الشركات. ومع مرور الوقت، تحولت الحكومة السابقة من وضع الجهاز التنفيذي الذي يفترض أن يتدخل بقرارات صارمة، إلى مجرد إطفائي يحاول إخماد نيران الغضب من خلال التلويح بقرارات فشل الجميع في تطبيقها، وعلى رأسها تسقيف الأرباح.

من دون شك، سيتذكر جميع المغاربة كيف تحول قرار تحرير المحروقات، الذي روج على نطاق واسع بأنه في صالح المستهلك، إلى أكبر ضربة لم تستفد منها إلا شركات المحروقات منذ سنة 2015. فاختيار موعد التحرير لم يكن اعتباطيا. فالأسعار كانت قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها، وهو الأمر الذي جعل الحكومة تتفادى أي رد فعل سلبي آني من المستهلك، خاصة أنها كانت تروج للقرار بكونه يحمل إيجابيات كبيرة لجيوب المغاربة. هكذا، وبدون أي دراسة معمقة لكيفيات تطبيق هذا القرار وضمان المنافسة بين الشركات العاملة في القطاع، قرر فريق عبد الإله بنكيران الذهاب إلى اتخاذ قرار تحرير الأسعار.

القانون الذي جاءت به حكومة بنكيران كان يقضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربورات وتصديرها وتكريرها والتكفل بتكريرها وتعبئتها وادخارها وتوزيعها. وجاء ضمن أهداف هذا القانون وضع سند قانون لتعزيز مهام مراقبة جودة المنتوجات البترولية السائلة على مستوى مرحلة التكرير والاستيراد والتخزين والنقل ونقط البيع، والترخيص للأعوان المكلفين بالمراقبة بالتدخل على مستوى المراحل السالفة.

بيد أن الذي وقع خلال هذه السنوات هو أن الشركات راكمت أرباحا طائلة ولحد الآن لم تتم الإجابة عن سؤال السبب الذي دفع إلى التحرير دون اتخاذ أي إجراءات لحماية المستهلك. بل إن كل التحركات التي كانت تجري لم تستهدف قط التصدي إلى أرباح الشركات ولا زجر بعض سلوكاتها المنافية للمنافسة..أما ما جرى في اللجنة الاستطلاعية الخاصة بالمحروقات فتلك حكاية أخرى.

لقد وجد المغاربة أنفسهم أمام حرب شرسة داخل هذه اللجنة، حتى إن الصراع بين بعض أعضائها كاد يعصف بالتقرير الذي تعرض إلى عملية “شفط” في إطار توافقات غير مفهومة. بل إن الحرب داخل هذه اللجنة انطلقت حتى قبل تشكيلها، في ظل صراع شرس دار بين حزبي العدالة والتنمية والتجمه الوطني للأحرار ما أدى إلى تأخر تشكيلها.

وعندما خرج عبد الله بوانو الذي ترأس هذه اللجنة بتصريحات تحدث فيها عن وجود أرباح خيالية بلغت 17 مليار درهم، احتج بعض أعضاء اللجنة لتنطلق بعد ذلك مواجهات ومعارك ماراتونية داخل مجلس النواب، لاسيما بين فريقي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار الذي كان يجد في تحركات الإسلاميين استهدافا للرئيس عزيز أخنوش.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي