فرنسا وامتحان الصحراء.. الملك محمد السادس يدعو الشركاء التقليديين إلى الوضوح

وضع الملك محمد السادس، عددا من الدول المحسوبة على دائرة الشركاء التقليديين أمام امتحان الوضوح من أجل وضع حد للغموض وأنصاف المواقف تجاه قضية الصحراء المغربية، التي باتت اليوم تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية.

ووجه الملك رسالة واضحة للجميع حين قال “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.

لقد جاء الخطاب الملكي متناغما مع لغة خطابات سابقة اختارت الوضوح والمصارحة في قضية مصيرية وغير قابلة للتفاوض بالنسبة للمغرب والمغاربة. ولذلك، فإن الخطاب الملكي جاء ليضع النقط على الحروف ويدعو الشركاء التقليديين إلى ضرورة اتخاذ مواقف واضح في قضية لا تقبل الاصطفاف مع الحق والباطل في الآن ذاته.

حتى دون أن يذكرها بالاسم، يبدو جليا أن فرنسا معنية أكثر من أي دولة أخرى بهذه الدعوة الملكية إلى الوضوح. فهذه الدولة التي تربطها علاقات واسعة وقوية مع المغرب، وتستفيد من امتيازات كبيرة في مختلف المجالات وعلى رأسها الاقتصاد من خلال الصفقات التي تنالها عدد من الشركات الفرنسية، هي نفسها التي اختارت موقفا غامضا من قضية الصحراء.

تقول باريس، في موقف تقليدي غامض أدلى به المتحدث باسم خارجيتها شهر مارس الماضي: ” فرنسا تدعم التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ويقبله الطرفان ويتماشى مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتمثل، لهذا الغرض، خطة الحكم الذاتي المغربية أساسا جديا ويتسم بمصداقية للمحادثات”.

وفي الواقع يعكس هذا الموقف حالة اللاموقف. ذلك أن هذا التوجه يعرف بدوره تذبذبا واضحا، وهنا نتذكر بداية السنة عندما خصص البرلمان الفرنسي جلسة مناقشة لموضوع “حصيلة تحركات فرنسا من أجل احترام القانون الدولي: حالة الصحراء”،  بدعوة من الفريق النيابي لليسار وبحضور ممثلين عن جبهة البوليساريو الانفصالية.

خلال هذه الجلسة، خرج جون بابتيست لموين، كاتب الدولة الفرنسي في السياحة والفرنسيين وراء البحار والفرنكفونية، ليؤكد بأن باريس تدعو إلى حل سياسي توافقي بين أطراف النزاع، يستند إلى مقررات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.

وذهب كاتب الدولة بعيدا حين أشار إلى تقيد السياسة الأوروبية (ترأست فرنسا الاتحاد الأوروبي خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام) بمقررات محكمة الدول الأوروبية فيما يتصل بعدم سريان اتفاقيات الشراكة المغربية الأوروبية على الصحراء المغرب.

وفي المقابل لوحظ أن المسؤول الحكومي الفرنسي لم يشر إلى  الحكم الذاتي، وهو ما فهم منه أن فرنسا تاعب لعبتها التقليدية والمتجاوزة بمواقفها الغامضة، وهو الأمر الذي سيزداد وضوحا حينما سيقرر الرئيس الفرنسي، في سياق توتر العلاقات بين الجزائر والرباط، أن يقوم بزيارة إلى الجارة الشرقية للمغرب..وفي ذلك إشارات لابد ان يلتقطها المغرب، حتى وإن كان مساره في العلاقات الدولية قد تجاوز بكثير مرحلة الشريك الاستراتيجي الوحيد.

مشكلة فرنسا أنها تحن إلى ماض استعماري ولى، وهي تعي جيدا بأن مستقبل منطقة شمال إفريقيا يرسم الآن بدون المستعمر السابق وفي ذلك تهديد لمصالح دولة تريد كما يقول المثل الفرنسي الشهير “le beurre et l’argent du beurre” .. لكن الواضح أن هذا الشريك التقليدي لبلادنا يمر اليوم من امتحان المصداقية ليس فقط بالنسبة لعلاقاته مع المغرب، بل في عدد من القضايا الإفريقية التي تتورط فيها باريس بشكل واضح.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي