في سنة 2018، واجه الوزير السابق مولاي حفيظ العلمي ضجة كبيرة بسبب قضية إعفاء شركته المختصة في التأمينات من واجبات ضريبية، نتيجة تفويت حصة من الأسهم إلى شركة جنوب إفريقية، ما أثار جدلا كبيرا وجر على الوزير والحكومة انتقادات حادة.
ما وقع في هذه النازلة هو أن مشروع قانون المالية 2018 تضمن فقرة عنونها وزير المالية آنذاك محمد بوسعيد ب”إعفاء تفويتات الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات”. وقد تم تبرير هذا الإعفاء بالسعي إلى “تشجيع إعادة هيكلة الشركات وتعزيز رأسمالها”، ليتم اقتراح إعفاء ضريبي للتفويتات بعوض أو بدون عوض، والمتعلقة بحصص المشاركة أو أسهم في الشركات أو في المجموعات ذات النفع الاقتصادي.
هذا المقترح الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان، أعفى صفقات تفويت الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات، من رسم قيمته 4% من قيمة الصفقات، كان يؤدى باعتباره يتعلق بواجبات التسجيل. نسبة تعني أن عملية تفويت “سهام للتأمينات” من طرف مولاي حفيظ العلمي إلى العملاق الجنوب إفريقي، كانت ستضخ حوالي 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم)، في خزينة الدولة، لولا هذا الإعفاء.
صحيح أن الصدفة قد تكون حاضرة في عملية الاستفادة من الإعفاء، إذا افترضنا أن خلفية القرار لم تكن “مصلحية”..وصحيح أيضا أن حفيظ العلمي نفسه قد يكون بعيدا عن تدبير الصفقة في حد ذاتها، باعتبار وضعيته كوزير..لكن وجوده داخل الحكومة، وهو الحامل لقبعة “رجل أعمال” وأحد أثرى أثرياء المملكة، وضعه في موضع الشبهات لاسيما وأن صاحب مشروع الإعفاء في قانون المالية لم يكن إلا زميله في الحزب محمد بوسعيد، وهو ما زاد من اتساع “دائرة الشبهة” حول وجود “تضارب المصالح”، أو بلغة أكثر وضوحا “عطيني نعطيك”.
زواج المال والسلطة
في عدد من الحكومات، كان يتم وصف غير المتحزبين ب”حزب التكنوقراط”..لكن الذي وقع مع مرور السنوات وتطور العملية السياسية، هو أن هذا “الحزب” الذي ضم في عدد من الحكومات كفاءات بخبرات عالية، عرف تراجعا مقابل دخول “حزب رجال الأعمال” على الخط.
حسنا فعل عزيز أخنوش حينما سارع للانسحاب والاستقالة من المهام التدبيرية والمالية التي قد تجعله في موقع “تضارب للمصالح” وهو رئيس حكومة جميع المغاربة..لكن صورة الرجل، وواقع خريطة استثماره، ستجعل منه دائما رئيس حكومة بقبعة “مليادير”.
لا خلاف بأن الرجل أخذ مسافة “واجب التحفظ” من التدبير المالي حتى لا يتورط في شبهات قد تحرق أوراقه في أية لحظة، بعدما اكتوى قبل سنوات قليلة بنار المقاطعة، غير أن طريقة تدبيره وتسويقه لإنجازاته- إن وجدت- لا تخرج عن منطق “المقاولة”، حتى إن منهجية وكثافة توظيف جيش من المكلفين بالتواصل والتسويق الرسمي وغير الرسمي، تثير الكثير من علامات الاستفهام.
مشكلة عزيز أخنوش هو أنه مستثمر كبير في قطاعات لها علاقة مباشرة بجيوب المواطنين..فلا يمكن اليوم للمغاربة، وهم يكتوون بأسعار المحروقات الملتهبة، أن يتناسووا بأن الرجل يرتبط اسمه بأكبر شركة في القطاع..ولا يمكن لعموم المغاربة أن يفرقوا بين رئيس الحكومة الذي يقترض أن يتخذ القرار من أجل مصلحة العموم..وعزيز أخنوش الذي قد توجد مصالحه الخاصة في قرارات معينة، حتى وإن لم تتخذ في دائرة مصلحة ضيقة.
قوة ناعمة..وخشنة!
بعيدا عن الوضعية الخاصة لرئيس الحكومة، والتي تثير إشكالا أخلاقيا وليس قانونيا، طالما أن المشرع لا يمنع أن يتولى المناصب الحكومية رجال أعمال شريطة أن يبتعدوا عن التسيير..فإن التحدي المطروح بقوة هو دور اللوبيات المالية والاقتصادية في التأثير على صناعة القوانين..وبالتالي الاستفادة من الإعفاءات بكل أشكالها.
لقد عاشت المؤسسة التشريعية لحظات مثيرة، عرفت إدراج تعديلات في آخر ليل من أجل الاستجابة لمصالح معينة..بل إن الأمور وصلت إلى مستويات بالغة الخطورة، وهنا نتذكر مثلا الاتهامات التي جاءت على لسان عبد الله بوانو سنة 2014، عندما تحدث عن رشاوى بالمليارات قدمتها بعض شركات التبغ لبرلمانيين من أجل تمرير مقترح خفض الضرائب المفروضة.
وعلى نفس المنوال، عاش مجلس المستشارين لأكثر من مرة تحركات قوية لنافذين في قطاعات مختلفة، كالعقار والمشروبات والتبغ وغيرها، من أجل تمرير تعديلات أو إسقاط أخرى لكونها تمس بمصالحهم الخاصة.
في سنة 2020، كاد محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية السابق أن يسقط في نفس الفخ الذي وقع فيه بوسعيد، بسبب تعديل اقترح رفع الرسوم الجمركية لاستيراد ألياف “البوليستر” من 2,5 في المائة إلى 17,5 في المائة، وهو الأمر الذي كان يصب في صالح الشركة المغربية الوحيدة العاملة داخليا في هذا المجال، والذي يعد صلاح الدين مزوار واحدا من بين 5 مساهمين فيها. ورغم عدم قبول النواب لهذا التعديل، إلا أن المستشارين قاموا باعتماده، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة انتهت بتدخل بنشعبون لسحبه.
وتظهر مثل هذه الوقائع كيف يمكن للوبي رجال الأعمال أن يكون مستفيدا من تعديلات قانونية لها ثقل كبير، لاسيما في لحظة مناقشة قانون المالية..لكن الواضح هو أن فقدان الحياة السياسية بريقها، وعدم قدرة الأحزاب على استقطاب الكفاءات والخبرات، دفع في السنوات الأخيرة نحو تسريع عملية استقطاب “مول الشكارة”. فقد أصبح الهاجس في الانتخابات هو استقطاب من يمكن أن يحصل على أكبر عدد من الأصوات..سواء من خلال الأعيان، أو من خلال “رجال الأعمال” الذي قد يتورطون في استعمال أساليب فاسدة من أجل شراء الذمم..أو قد يفشلون بكل بساطة في أداء مهامهم السياسية حتى وإن دخلوا المؤسسات عن جدارة واستحقاق.
واقع يستحيل أن تضع له الدولة حدا بدون انخراط قوي للأحزاب..فبدل أن يتم تحويل محطة الانتخابات إلى لحظة صراعات غريبة حول التزكيات، التي تؤول في النهاية إلى المقربين والمدعومين من القيادة أو أصحاب الجيوب الممتلئة القادرة على تمويل الحملات الانتخابية وموائد الإطعام، فإن الأحزاب السياسية مدعوة إلى العمل على إعادة النظر في آليات الاستقطاب حتى وإن كانت في غير صالح الزعيم، لكنها بكل تأكيد ستكون في صالح البلاد والعباد.
تعليقات ( 0 )