حكومة “اللعب بالنار”

 

  الأسعار النارية للخضر والفواكه، و الزيادات الجديدة التي طالت أسعار عدد من المواد الاستهلاكية تؤكد ومن جديد أن الغلاء لم يعد استثناء، أو سحابة عابرة كما تدعي الحكومة التي اجتهدت كثيرا في صناعة التبريرات لإلصاق التهمة إما بالمضاربة ،أو بالتساقطات أو بالجفاف أو الحرب الأوكرانية وسعر الدولار.

 الغلاء أصبح  قاعدة ثابتة ومهيمنة في السوق، في ضل الجمود الذي أصاب الأجور، موازاة مع الزيادات التي زحفت سريعا وسط صمت حكومي، على العديد من السلع والمواد والخدمات لنصبح الآن أمام وضع غير متكافئ يهدد الاستقرار المعيشي لعشرات آلاف الأسر.

 هذه المعادلة تكشف أن معدلات الفقر بالمغرب مثل البورصة تتحرك يوميا بتحرك الأسعار دوما نحو الأعلى، كما أن هذه المعادلة تكشف وجود عملية انزياح مستمر بين الطبقة الفقيرة والمعدمة، وما كان يسمى سابقا بالطبقة المتوسطة بعد أن توحد الجميع في الشكوى من سوط الغلاء.

المستفز أنه و في الوقت الذي تتصارع فيه شريحة واسعة من الشعب من أجل العيش بكرامة وضمان كسرة خبز مر، نعاين اليوم مسؤولين حكوميين وبرلمانيين يتزاحمون أمام الكاميرات لرشق المغاربة  بتهم  العمالة ودعم نشطاء سريين يهددون استقرار البلاد، ويصفونهم بالمرضى لمجرد ممارسة حقهم في الاحتجاج افتراضيا على رئيس الحكومة من خلال “هاشتاغ” “اخنوش ارحل”.

الواقع أن المغاربة كفروا بالأرقام الرسمية، كما كفروا بالسياسة التي لم تصنع تغييرا ملموسا في حياتهم اليومية، ولم تحسن مستوى عيشهم، بل حرمتهم من نعمة الإحساس بالأمان الاجتماعي والاقتصادي، بعد أن زحف الغلاء على كل شيء، وأصبح التدهور يلاحق عددا من المؤشرات والخدمات.

 من جهة أخرى فإن الإفراط في توظيف الأرقام الاحصائية والتوصيات والدراسات في ضل الواقع الذي نعيشه سيبقى مجرد مكياج رخيص، لن ينفع في حجب العيوب التي تزعجنا كثيرا حين نراها في مرآة التقارير الدولية والوطنية، دون أن يزعجنا عجزنا الفاضح و المزمن عن  إيجاد حلول  حلها.

 كما أن الصمت على ما يحدث من استنزاف لجيوب المواطنين ستكون له تداعيات على الاستقرار الاجتماعي بعد أن تم نسيان التأثير المؤلم لصفعة المقاطعة.

  التاريخ لا يرحم، وله ذاكرة قوية ستحتفظ للكثير من الوزراء والهيئات السياسية  والنقابية بصفحات مليئة بالدجل والكذب السياسي، لأن  الحكومات الاجتماعية لا تصنع من الشعوب  فئران تجارب لوصفات البنك الدولي والمقرضين الكبار، ولا تجتهد في تخفيف العبء عن ميزانية الدولة باستنزاف جيوب المواطنين وتسليمهم للوبيات والشركات.

  كنا نحذر حتى وقت قريب من أزمة الثقة في المؤسسات التي استفحلت ووصلت ذروتها، واليوم نحن نحذر المسؤولين من الإفراط في الثقة التي تجعلهم يتمادون كثيرا في استفزاز الشارع، بعد أن استهلكوا رصيدهم من  التبريرات للتغطية على إنهاك المغاربة بسوء الخدمات، والغلاء.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي