أحزاب المعارضة.. “أجنحة مكسورة” في معارك الانتخابات

أحزاب غادرت الحكومة تنتظر “الترويض” على قول ” لا “
 
بين شعارات المعارضة المسؤولة والمواطنة، وواقع يفرض الدفاع بندية عن المواقف وتمثيل الأمة بما يقتضيه التمثيل من مسؤولية سياسية، لازالت أحزاب المعارضة تعيش حالة تيه، بين أطراف لم تستفق بعد من هول صدمة الانتقال من الجهاز التنفيذي إلى المعارضة، وأطراف أخرى وكأنها خلقت للحكومة ليس إلا.
خلال الأسابيع الأولى، بدت مكونات المعارضة في حالة ضعف سياسي رغم أن الاصطفاف خارج الحكومة يمنح الفاعل السياسي الكثير من هوامش الرقابة والرفض بعيدا عن “واجب التحفظ” الذي يستلزمه التدبير الحكومي. والملاحظ هو أن ما يجري داخل المكونات غير المشكلة للأغلبية، يجعلنا في واقع الأمر أمام معارضات، يغيب بينها التنسيق وحتى التقدير السياسي.
 
“البيجيدي”..ما بعد الصدمة
 
كان لنتائج 8 شتنبر 2021 أثر كبير على الوزن الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، الذي لم يتمكن من تشكيل فريق برلماني، واكتفى عقب هزيمته التاريخية والمدوية بمجموعة برلمانية قد لا تسعفه لإيصال الكثير من المواقف، من خلال مختلف آليات التشريع والرقابة التي توفرها المؤسسة التشريعية.
نزول قيادة سعد الدين العثماني، وانتخاب قيادة جديدة بزعامة عبد الإله بنكيران زاد من غموض المشهد داخل الحزب الإسلامي. فقد وجه بنكيران منذ الوهلة الأولى قيادات الحزب من أجل عدم معارضة الحكومة في كل شيء، مفضلا “الهدوء” في المعارضة والتميز وعدم الانضمام إلى من وصفها بـ”الجوقة” التي انقلبت بين عشية وضحاها من مؤيدة إلى منتقدة.
رؤية بنكيران للمعارضة اعتبرها “نقطة نظام تدعو إلى الكف عن اللعب بمصالح البلاد والعباد، وهو توجيه لكي يكون الحزب متميزا عن هذه الممارسات من خلال معارضة وطنية معقولة بهدوء وتؤدة”، مشيرا إلى أن البوصلة الرئيسية لمعارضة “البيجيدي” هي خدمة مصلحة الوطن والمواطن وتحصين الاختيار الديمقراطي.
موقف يبدو متناقضا مع مواقف الرجل، حتى عندما كان حزبه في الأغلبية. فبنكيران تحول، في فترات مختلفة، إلى مصدر “قلق” كبير لسعد الدين العثماني، من خلال خرجات هاجم في بعضها قرارات الحكومة، وأطلق في أخرى “مدفعيته الثقيلة” على التجمعي عزيز أخنوش، ما يجعل الصيغة التي يحملها اليوم في معارضة الحكومة تحمل الكثير من علامات الاستفهام.
 
معارضة اليسار.. اللمسة الاجتماعية
 
على خلاف حزب العدالة والتنمية الذي اختار معارضة “مهادنة”، مع استغلاله لبعض الملفات التي قد تكسبه نقط سياسية في أوساط الرأي العام عندما يتعلق الأمر مثلا بقضية الجمع بين المال والسلطة أو الإثراء غير المشروع، كانت لحزب التقدم والاشتراكية رؤية واضحة للمعارضة، والتي يتم إبرازها أسبوعيا سواء عبر المؤسسة التشريعية أو من خلال بلاغات المكتب السياسي.
منذ الوهلة الأولى، خرج حزب التقدم والاشتراكية بمواقف واضحة من ارتفاع الأسعار وملف المتعاقدين وما يتصل بجدل جواز التلقيح. فقد دعا الحزب الحكومة إلى ضرورة تفادي الارتجال والارتباك وسياسة الآذان الصماء عند بلورة القرارات ذات الصلة، كما حصل مع قرار اعتماد جواز التلقيح، والذي كان يستلزم مقاربة تشاركيةً وتواصليةً كفيلةً بتفسير ملابساته وحيثياته وانعكاساته على فئات واسعة من المواطنات والمواطنين.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد وجد في معارضة حكومة عزيز أخنوش فرصة لمواجهة من رفعوا الفيتو في وجه دخول لشكر ومن معه إلى الحكومة. بل إن الكاتب الأول للوردة انقلب 360 درجة في مواقفه، وسار اليوم من أكبر المنتقدين لفريق عزيز أخنوش الذي يصفه بالارتباك، ويتهم الأغلبية بممارسة “الهيمنة”.
في المقابل، يحاول الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار إبراز المواقف الرافضة لعدد من القرارات التي يكون لها وقع مباشر على المواطنين، وذلك من خلال الأسئلة الشفوية أو الكتابية. ومن أمثلة ذلك، توجيه البرلمانية فاطمة التامني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، سؤالا كتابيا إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بشأن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات.
وقالت فاطمة التامني، إن الأسعار عرفت ارتفاعا مهولا في العديد من المواد سواء الغذائية أو الصناعية، إضافة إلى المحروقات، ما نتج عنه معاناة شرائح واسعة من الشعب المغربي نتيجة ظروفها الاجتماعية والاقتصادية الهشة مما عمق ضرب القدرة الشرائية للمواطنين”.
 
معارضة مصطنعة؟
 
على خلاف الأحزاب المذكورة، تبدو بعض مكونات المعارضة غير قادرة على إقناع المغاربة بجدوى وجودها في صف “الرافض” و”المدافع” عن “ولاد الشعب”، بسبب التصاق صورتها بتدبير الشأن العام الحكومي. وهنا الحديث أساسا عن الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري.
لقد كانت بعض الجلسات التي شهدها مجلس النواب فرصة لتوضيح مواقف معارضة “السنبلة” و”الحصان”، واللذين أبعدا بدورهما عن المشاركة في الحكومة بعد محاولات باءت بالفشل. لكن يبدو أن الصورة الملتصقة في ذهن الرأي العام لم تتقبل بعد وجود هذين الحزبين في صف المعارضة.
في أول امتحان، تولى الوزير الأسبق محمد أوزين لعب دور المعارضة. وذهب أوزين، بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية 2022، إلى أن “الحكومة حققت سبقا غير قابل للجدل، وخلقت قاموسا خاصا بها يعج بالمرادفات من قبيل الارتباك، التناقض الارتجال، التردد والتدبد والتملص”، مؤكدا: “ما أقوله ليس مزايدات ولكن ننقل نبض الشارع وارتسامات المواطنين”.
أوزين قال أشياء كثيرة، لكنه لازال يحمل وزر صورة لصيقة به منذ زمن التدبير الحكومي. فقد تحولت بعض الفيديوهات التي انتشرت للرجل على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى مناسبة لـ”جلده” وتذكيره بما عرف بـ”فضيحة الكراطة”. فربما كان على الحركيين أن يختاروا بروفايلا آخر لتقمص دور المعارضة.
أما حزب الاتحاد الدستوري فيبدو “يتيما” تخلى عنه التجمع الوطني للأحرار في الطريق، بعدما اجتمعوا في وقت سابق حول فريق برلماني وحد في “زمن الشدة”. وها هو اليوم حزب “الحصان” يبدو تائها بين المعارضة والأغلبية، غير مستوعب للدور الذي يمكن أن يفعله بين معارضة الفعل الحكومي، أو مساندته مساندة نقدية على الأقل.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي