لهيب الأسعار والشناقة يدفعان المغاربة إلى تأجيل عملية شراء الاضاحي

“العافية” هي الكلمة التي ترددت على لسان عدد من سكان الرباط وسلا ممن حاولوا اقتناء أضحية العيد أول أمس، بعد أن سجل ارتفاع واضح في أسعار الأضاحي مقارنة بالسنة الماضية،

وضع دفع الكثيرين إلى تأجيل الحسم في معركة الشراء التي ستخلف في جيوب العددين ثقوبا سيصعب رتقها ولو بالسلف.

الساعة تشير إلى الساعة التاسعة صباحا بسوق الأضاحي بمدينة سلا،عشرات الشاحنات تراصت على شكل مجموعات، وبداخلها مئات الخرفان التي تم اختيارها بعضها لتكون في الواجهة من أجل لفت أنظار الزبائن الذين حل بعضهم في حدود الساعة السابعة صباحا من أجل شراء الأضحية بعيدا عن الزحام.

الأسعار المتداولة تتراوح ما بين 2000و3500 درهم، وتتجاوز هذا الرقم بكثير بالسنة لبعض الخرفان التي تبدو وكأنها أمضت السنة في ممارسة رياضة حمل الأثقال، ليقترب ثمنها من راتب موظف خارج السلم.

عدد من رواد السوق يكتفون بالنظر والتربص بآذانهم للأثمنة التي يطلقها الباعة بثقة في النفس، لعملهم بأن حجم الطلب الحقيقي لازال غير مكتمل، في انتظار دخول الموظفين على الخط.

الأثمنة كانت مستفزة للبعض، خاصة ممن يحملون عبء التفكير في شراء الأضحية شهورا قبل العيد مثل رجل في العقد الخامس، وضع يده على خروف متوسط الحجم، قبل أن يسأل البائع عن ثمنه الذي وصل إلى 2800 درهم، وهو ما لم يرق له ليصرخ في وجه البائع  “علاش كي درتي ليها…  مالو شنو فيه”.

لم يقف عند هذا الحد بل واصل إطلاق العنان لغضبه ليتمتم بكلمات غامضة وهو يغادر المكان.

عدد من سكان الرباط وسلا أصبحوا يفضلون اللجوء إلى المدن الصغيرة المجاورة المعروفة بتربية المواشي من اجل الحصول على خروف بثمن مناسب بعيدا عن الأسعار الصاروخية التي تميز أسواق المدن الكبيرة، والتي تزيد من نفخها تكلفة النقل، ومبيت الشاحنات داخل الأسواق ، حيث أصبحت كل من الخمسيات وتيفلت قبلة لعدد من الراغبين في  شراء الأضحية مباشرة من المربي بعيدا عن تدخلات “الشناقة” التي تصب الكثير من الزيت على نار الأسعار.

بسوق الأضاحي بالرباط ، الوضع لا يختلف كثيرا، حركة بطيئة للشراء ترتفع  تدريجيا مع مضي ساعات الصباح، فيما توافد شاحنات الأغنام لازال مستمرا حسب أحد المربين الذي أكد بان عدد من الباعة فضلوا الالتحاق بالسوق بالتزامن مع اقتراب العيد، وقال “ماكيان لاش نبقاو مكرفسين هنا على والو .. اليوم وغدا غادي يدخل الخروف بكثرة والبيع راه مازال طايح”.

التواجد الأمني بالسوق يبدو واضحا بعد أن تم نشر عناصر بالزي الرسمي على الطرقات من أجل تأمين سلاسة ولوج السوق ومغادرته، وهي العملية التي عرقلها وضع حواجز حديدية من أجل تأمين تحصيل الرسوم حتى ولو أدى إلى خنق الممرات.

السوق يشهد بين الفنية والأخرى بعض الشجارات، خاصة بين الحمالين الذين يتسابقون من أجل حمل الخروف من الشاحنة، ووضعه إما في “كروسة يدوية” آو على متن الهوندات و التريبورتورات، كما حصل بين شاب نحيل و آخر قوي البنية حول من له الأحقية في حمل الخروف، قبل أن يدخل على الخط حمالون آخرون ليختفي الخروف وسطهم بشكل أثار فزع صاحبه، ليتدخل عناصر الأمن على وجه السرعة، من أجل فض النزاع وتوجيه إنذار للحمالين. مجهود عناصر الأمن منصب أيضا على بعض الوجوه المعروفة باحترافها للنشل الذي ينشط في مثل هذه المناسبات، ليقين النشالين بأن عشرات الجيوب التي تتحرك في السوق، توجد بداخلها أوراق مالية مغرية قد تحول صاحبها إلى أضحية حقيقة للعيد، عوض الخروف، في حالة سرقتها باستعمال تقنيات متعددة منها شفرات الحلاقة .

ويبدو أن الآثار الجانبية لشراء الضحية لا تتوقف عند السوق، بل تنتقل أحيانا إلى المنازل لتخلق شجارات ومعارك زوجية قد تفرش بساطا احمرا للطلاق، كما حدث بهذا السوق صباح أمس، وذلك حين تلقى زوج تقريعا شديدا اللهجة من زوجته أمام انظار الباعة، ورواد السوق.

حدث ذلك عقابا له على تمسكه بشراء خروف ضئيل البنية، حيث رمقته شريكة حياته في البداية بنضرات قاتلة وهو يساوم الخروف، ثم شدته من ثيابه ليغادر المكان غير أن قدميه رفضتا الاستجابة، قبل أن تجره أمام الملأ  وتنفجر في وجهه “زيد حسن ليك”، وحين حاول المعارضة وتبرير موقفه، رفعت يدها أمام وجه مجددا وقالت “شنو واش بغتيي نتشوهو أنا وياك زيد  ابنادم كولت زيد”، ما منح فرجة مجانية للباعة الذين تابعوا ما يجري باهتمام، ودهشة، قبل أن يعلق أحدهم بسخرية قائلا “الحولي موجود هاد العام” ؟

الأسعار القاسية التي تتقاذف من أفواه الباعة تجد لديهم تبريرات جاهزة، ووسائل إقناع اكتسبوها بالممارسة، وهي الوسائل التي تختلف حسب طبيعة الزبون، حيث نجح أحدهم في اتمام صفقة البيع بعد أن اقنع الزبون بأن الثمن لا يهم مقارنة بالجودة، وقدم عددا من الشروحات، وهو يعرض أجزاء من الخروف، محذرا  المشتري من الخرفان المنفوخة ب”السكاليم والملحة والماء”، وقال “واش بغيتي تقولب  فلحم مجرجرة … خود المليح راه يستاهل ثمانو”، دون أن ينسى كشف أثمنة، وقائمة مواد العلف  التي التهمها هذا الخروف ومنها الشعير والنخالة.

يقول رجل مسن وضع يديه خلف ضهره،وهو يتفقد الأضاحي لأفراد من عائلته رافقوه في رحلة الشراء، بعد أن دخل  في مفاوضات عسيرة مع بائع تحلق حوله خمسة خرفان “غي خدوا الخروف دابا راه السوق مازال غادي يطلع “، وهي النصيحة الذهبية التي  نفذها مرافقوه ،حيث توجهوا مباشرة نحو صاحب الخرفان من أجل إتمام الصفقة دون الحاجة للتأجيل الذي قد يجعل البعض يدفع سعرا غاليا علما أن المراهنة على ارتفاع الأسعار وانخفاضها في بورصة الأضاحي لا تعطي دائما نتائج صائبة .

الإقبال على الماعز يبدو ضعيفا مقارنة بالخرفان، ويبدو أن منظر الماعز الذي تم تقيد أطرافه وطرحه أرضا ليدفع بذلك ثمن شقاوته، لا يغري بالشراء، علما أن هذا النوع من الأضاحي يعرف إقبال نوعية خاصة من الزبناء لها اكراهات صحية تحول دون استهلاكها للحم الخروف الغني بالدهون، كما أن الأمر يرتبط بالحفاظ على الحمية.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي