“قبيلة الغشاشين” و السر المهني

 

فشلت العقوبات الصارمة التي أشهرتها وزارة التربية الوطنية في وجه مرشحي البكالوريا في زجر عمليات الغش الواسعة التي رافقت الامتحانات.

واقع يؤكد حقيقة صادمة، وهي أن ثقافة الغش ترسخت وتجذرت، وأنتجت أجيالا جديدة ترى بأن الغش أصبح عرفا سائدا، وحقا مكتسبا لا يمكن المساس به.

هذه الثقافة الخطيرة التي أصبح لها أتباع كثر، وجدت أرضا خصبة لأن السياسات العمومية في المغرب لم تعمل على تكريس المساواة وتكافؤ الفرص بناءا على الشواهد والاستحقاق، بل فتحت الأبواب مشرعة أمام من له “كالة” أو لقب عائلي يشفع له.

هذا ما جعل المجتمع يستسلم لأمثال، و”حكم” مسمومة تحرض على اختصار المسافة، وتجشع على التدليس والغش الذي زحف على جميع مناحي الحياة من تجارة وسياسة ورياضة وثقافة، بل وامتد إلى الكثير من معاملاتنا اليومية في الشارع، بعد أن نشر عدد من المغاربة تفاصيل الجرائم التي يوميا تقع  بالمحلات التجارية والمصانع والشركات ضمن حلقات “سر مهني”.

لقد سبق للمصالح الأمنية والوزارة أن جربت القبضة الحديدية في التعامل مع امتحانات البكالوريا، لكن ذلك لم يكن فعالا بعد أن عاينا انتشار فيروس التسريب والغش الذي اتضح أنه أصبح يتمتع بمناعة قوية، وحاضنة مجتمعية.

الغش ليس محصورا في “الحروزة” التي يتسلح بها التلاميذ، بل هو موجود في الصفقات العمومية، وفي المشاريع العقارية، وفي المواد الاستهلاكية، وفي الإدارة، وخطابات الساسة والأحزاب، والمؤسسات، ما يعني انه أصبح منظومة  قائمة الذات تتعايش جنبا إلى جنب مع الفساد المستشري.

مستويات ثقافة الغش الخطيرة التي وصلنا إليها لا ينبغي أن تختزل وبشكل موسمي في امتحانات الباكالوريا، بل يتعين أن ينظر إليها بشكل هرمي، لأن الاستمرار في تزكية نخب فاسدة في مناصب المسؤولية، واستمرار نهب المال العام دون محاسبة، سيخلق أجيال جديدة  انتهازية، وبدون وازع أخلاقي.

أجيال تسعى لنيل حصتها من الغنيمة، وتؤمن بالنسخة المنقحة للمثل الخطير القائل “الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري” .

من جهة أخرى فان الحرص على إشهار هذه الممارسات من طرف مواقع “البووز” ينطوي على هدم متواصل ومتعمد لسمعة المدرسة العمومية، وهو أمر يصب حتما في صالح مخطط  معد سلفا لجعل التعليم خدمة مؤدى عنها لفائدة مدارس “الطاشرونات”، والبرلمانيين، وأصحاب “الشكارة”.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي