أيها الكتاب ما أجملك.. من أجل معارض للكتاب

كلما قرأت صفحات كتاب على إحدى الوسائل الإلكترونية يساورني شك كبير أنني أتحايل على الكاتب والكلمات والمعاني. تكاد الجمل تصرخ وتقسم أنها لن تدخل إلى رأسي وأكاد أجزم أنها تدفعني إلى الذهاب لأقرب مكتبة لاقتناء الكتاب المحسوس الملموس بصفحاته ونسمات عبقات بسناء المجهود الفكري. حين تعلن للكتاب نية اللقاء به، لا يجيبك ولا يفتح صفحاته دون أن تعلن بدء حفل الوفاء له.

قد تكون جالسا أو متكئا أو في وضع من يسعد للسفر في نوم عميق. لا بأس يقول الكتاب ولكن عليك باستعمال يديك وعينيك لكي تبدأ سفرا جميلا محفوفا بمخاطر الأفكار وضرورة تسلق تضاريسها.

حين فتحنا الأعين على الكلمات كان بابها كتابا موجودا ومتاحا بزهيد السعر. كان مزاد الكتب المستعملة في مراكش ينظم أسبوعيا خلف جامع بن يوسف. وكانت ساحة جامع الفنا تزخر بالكتب والمجلات حتى الدفاتر والأفلام. وكلما اشتعلت معركة فكرية في الفلسفة والآداب والتاريخ والجغرافيا تجد لها صدى في جامع الفنا.

حتى الصراع بين الاتحاد السوفياتي سابقا والصين كان يترجم إلى منافسة في الأسعار بين دور نشر هاتين الكتلتين. وحتى المجلات الغربية التي انفتحت بعد سنة 1968 كانت تصل إلى الساعة. كانت صور نجوم الغناء ك”خنافيس البيتلز” وجوني هاليداي والفيس بريسلي وجيمس براون وجين بيز متاحة تزين غرف التلاميذ بجانب صور لنين وماركس وسارتر وتشي غيفارا.

كانت مكتبات مراكش عديدة ومتاحة في كثير من الأحياء وفي كثير من المدارس. ويزداد الكتاب بهاء مع وجود نشاط مسرحي في كل الأحياء وعدة قاعات لعرض الأفلام بما فيها الحديثة الإنتاج.

الكتاب لم يكن مصدر متعة فكرية فقط، بل كان في مراحل سياسية ساخنة وسيلة إثبات توجه فكري تتم مصادرته من طرف الشرطة ويضم إلى ملف الاتهام إذا تقررت المحاكمة. ومن الغريب المضحك في ذلك الزمان أن كل الكتب ذات الطابع الايديولوجي والسياسي كانت تباع بالقرب من أشهر كوميسارية في مراكش. المهم في الموضوع أن الكتاب لا يهجم عليك من خلال شاشة هاتف أو كمبيوتر ولكن يفرض عليك بدل مجهود لاتخاذه صديقا في وحدتك.

لهذا لا يجب أن نكثر من تقديم النصيحة للصغار أو اليافعين لكي يقرؤوا، يجب أن نقرأ أمامهم ككبار وأن نرافقهم إلى المكتبات وأن نكون من محبي الكتاب والموسيقى والمسرح والرياضة.

الثقافة لا زالت تفرض سلطتها الجميلة عبر لوحات الرسام والمسرحية والفيلم السينمائي ولا يمكن أن تعبر إليها بالطرق الافتراضية طمعا في هضم معانيها. فشتان بين السهل والممتنع.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي