كشفت إحصائيات نشرها “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (Sipri)، الاثنين الماضي، بأن الإنفاق العسكري العالمي ارتفع مجددا خلال العام الماضي، محققا أرقاما قياسية جديدة، حيث تجاوز الإنفاق العسكري تريليوني دولار للمرة الأولى العام الماضي، وبلغ 2113 مليار دولار بزيادة نسبتها 0,7 % عن عام 2020، في وقت زاد فيه الإنفاق العسكري عالميا للعام السابع على التوالي. نقل تقرير المعهد المذكور عن الباحث في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، دييغو لوبيز دا سيلفا، قوله إنه “على الرغم من التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا، إلا أن الإنفاق العسكري العالمي وصل إلى مستويات قياسية جديدة”.
فقد ارتفع الإنفاق العسكري في القارة الإفريقية بالموازاة مع ذلك، بحسب ما جاء في تقرير المعهد، بنسبة 1,2% ليبلغ 39,7 مليار دولار في عام 2021، الذي كان عام جائحة. أنفقت نصفها دول شمال إفريقيا (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب) لوحدها.
وفي ما يخص الغريمين اللدودين المغرب والجزائر، يسجل التقرير أن إنفاق هذه الأخيرة تراجع خلال العام الماضي مقارنة بالسنين الماضية. لكنه تراجع نسبي، إذ تظل الميزانية التي تخصصها الجزائر لجيشها تمثل ضعف ما ينفقه المغرب. وما لا يقوله تقرير المعهد في كل تقاريره الصادرة حتى اليوم، أن الجزائر هي التي تجر البلدين في سباقهما المجنون نحو اقتناء أكثر فأكثر من السلاح المتطور، والباهظ التكلفة أيضا !!
ويشمل “الإنفاق العسكري” المقصود وفق التقرير، جميع المخصصات التي تنفقها الحكومات على قواتها المسلحة والأنشطة العسكرية التي تقوم بها، بما في ذلك الأجور والمنح، والنفقات التشغيلية، ومشتريات الأسلحة والمعدات، وعمليات البناء العسكري، وعمليات البحث العلمي والتطوير، وميزانيات تسيير الإدارات المركزية والقيادة والدعم.
إنفاق عسكري قياسي عالميا
هكذا، بلغ حجم الإنفاق العسكري الأميركي 801 مليار دولار في عام 2021، بانخفاض نسبته 1,4% عن عام 2020، كما انخفض العبء العسكري في ميزانية الولايات المتحدة بشكل طفيف من 3,7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 3,5% في 2021. أما التمويل الأمريكي للبحث والتطوير العسكري فقد ارتفع بنسبة 24% بين عامي 2012 و2021، فيما انخفض تمويل مشتريات الأسلحة بنسبة 6,4% خلال الفترة ذاتها، وانخفض الإنفاق على كليهما في عام 2021، وبلغ الانخفاض في الإنفاق على البحث والتطوير نسبة 1,2%، فيما بلغ الانخفاض في الإنفاق على شراء الأسلحة 5,4%.
أما الصين، ثاني أكبر دولة إنفاقا على جيشها في العالم، فبلغ إنفاقها العسكري نحو 293 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 4,7 % مقارنة بعام 2020. وقال تقرير معهد ستوكهولم إن بكين ظلت تزيد من إنفاقها على الجيش على مدى السنوات الـ 27 الماضية، وكانت ميزانية البلاد لعام 2021 هي الأولى في إطار الخطة الخماسية الـ 14 التي ستستمر حتى عام 2025.
واحتل الإنفاق العسكري في الهند، البالغ 76,6 مليار دولار، المرتبة الثالثة على مستوى العالم، إذ ارتفع بنسبة 0,9% عن عام 2020، وبنسبة 33% عن عام 2012. وتم تخصيص 64% من نفقات الميزانية العسكرية لعام 2021 لشراء الأسلحة المُنتجَة في الهند، في محاولة لتعزيز الصناعة المحلية.
وفي روسيا، ارتفعت نسبة الإنفاق العسكري بنحو 2,9% في عام 2021، ليصل إلى 65,9 مليار دولار، في وقت كانت تحشد موسكو قواتها على طول الحدود الأوكرانية. وكانت 2021 السنة الثالثة على التوالي التي تزيد فيها موسكو من إنفاقها العسكري الذي يمثل 4,1% من الناتج المحلي الإجمالي. وقالت مديرة برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة بالمعهد لوسي بيرود سودرو، إن “عائدات النفط والغاز المرتفعة ساعدت روسيا على تعزيز إنفاقها العسكري في عام 2021، بعدما انخفض في الفترة بين 2016 و2019 نتيجة لانخفاض أسعار الطاقة إلى جانب العقوبات التي تم فرضها على البلاد، بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014”.
وبسبب رغبتها في تعزيز دفاعاتها ضد روسيا، ارتفع الإنفاق العسكري لأوكرانيا بنسبة 72 % منذ ضم شبه جزيرة القرم. لكنه انخفض في عام 2021 إلى 5,9 مليار دولار، ولا يزال مع ذلك يمثل 3,2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وبعد الموافقة المبدئية على موازنة العام 2021، يقول التقرير، أضافت الحكومة اليابانية 7 مليارات دولار إلى إنفاق البلاد العسكري. ونتيجة لذلك، ارتفع الإنفاق بنسبة 7,3% ليصل إلى 54,1 مليار دولار في عام 2021، وهي أعلى زيادة سنوية منذ العام 1972.
أما ألمانيا، وهي ثالث أكبر دولة إنفاقا عسكريا في أوروبا الوسطى والغربية، فقد أنفقت 56 مليار دولار على جيشها في عام 2021. وهو ما يمثل 1,3% من ناتجها المحلي الإجمالي، حيث انخفض الإنفاق العسكري الألماني بنسبة 1,4% مقارنة بعام 2020 بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
وزادت الميزانية العسكرية الإيرانية في عام 2021، لأول مرة منذ أربع سنوات لتصل إلى 24,6 مليار دولار. ورفعت طهران تمويل الحرس الثوري الإيراني في العام ذاته بنسبة 14% مقارنة في عام 2020، بحيث بات الإنفاق عليه يُمثل 34% من إجمالي الإنفاق العسكري في إيران.
سياق عالمي محفز
لا يبدو معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام متفائلا حيال مستقبل الإنفاق العسكري في العالم. فإذا أخذنا أوروبا كمثال، يفرضه القرب الجغرافي وترابط المصالح بين دولها وبلادنا، نجد أن تقرير المعهد إياه يرسم لدولها مستقبلا مقلقا. فالحرب في أوكرانيا أثرت على سباق التسلح الدولي واتجاهات الدول لزيادة ميزانياتها العسكرية. لذلك، فمع استمرار الغزو الروسي يتوقع المعهد زيادة الإنفاق العسكري في أوروبا، حيث يشير في تقريره إلى نمو كبير لتجارة الأسلحة في القارة منذ ضم روسيا لجزيرة القرم في 2014. وفي هذا الصدد، سبق لمعهد ستوكهولم نفسه أن أجرى مقارنة، بين بيع وشراء السلاح خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2021، وصفقات تجارة السلاح قبل ذلك بخمس سنوات. فكشفت دراسته عن ارتفاع حدة التوتر في كافة أنحاء القارة الأوروبية، حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وعن كون مشتريات الأسلحة في أوروبا ارتفعت نتيجة لذلك بنسبة 19 بالمائة. وهذه الزيادة هي الأعلى عالميا، وهو ما دفع خبراء المعهد يصفون ذلك بأنه “مثير للقلق”.
وربما كانت الأرقام الأوضح في هذا الصدد، هو أن بريطانيا والنرويج وهولندا طلبت إجمالا قرابة 71 مقاتلة أمريكية من طراز إف 35. وخلال الفترة ما بين عامي 2020 و 2021 ارتفعت طلبات شراء هذه المقاتلات من قبل الدول التي تشعر بالتهديد الروسي، إذ تقدمت فنلندا وبولندا لشراء 64 و 32 مقاتلة إف 35 على التوالي. تزامن هذا مع طلب ألمانيا اقتناء خمس طائرات من طراز “بوسيدون بي-8” الأمريكية المضادة للغواصات.
لقد دفعت صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا بألمانيا، إلى تغيير ثوابت سياستها الخارجية والأمنية المعتمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في واحدة من تداعيات “الحسابات الخاسرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، وفق تعليق خبراء ألمان. وبعد إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس عن زيادة نفقات التسلح إلى 100 مليا يورو خلال السنين القليلة القادمة، لتحديث المعدات العسكرية للجيش الألماني، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت الحكومة في برلين الشهر الماضي البدء بتجديد أسطول سلاحها الجوي، من خلال شراء عشرات المقاتلات الأميركية من طراز الشبح إف 35، كطراز يخلف أسطول مقاتلات “تورنادو” العتيقة، التي يجري استخدامها منذ أكثر من 40 عاما. وقالت مصادر إن القوات المسلحة الألمانية تخطط لشراء ما يصل إلى 35 من المقاتلات الشبح.
إلى ذلك، يتوقع مدير برنامج الأمن الأوروبي في المعهد، إيان أنتوني، أن تتجاوز تداعيات الصراع في أوكرانيا حدود مبيعات الأسلحة خلال السنوات المقبلة، إذ “بدأت الحرب في أوكرانيا في إحداث تغيير جذري في مجال الجغرافيا السياسية والعسكرية للقارة الأوروبية”. وأضاف “لقد توارت الأوهام حيال التعاون مع روسيا في إطار مفهوم أمني شامل، كما كان الأمر في تسعينيات القرن الماضي، إذ لا يمكن أن تكون روسيا شريكا إلى أجل غير مسمى”.
تعليقات ( 0 )