بددت جائحة كورونا غيوم الشك عن هشاشة العديد من القطاعات الاقتصادية، وأبانت عن جشع الكثير من المستثمرين وأرباب المؤسسات التعليمية الخاصة بفعل تقوي اللوبي الذي يدافع عن مصالحه ومطامعه.
من بين القطاعات التي تقف الدولة في دور المتفرج وهي “تريش جيوب المغاربة” سماسرة التعليم، فمنذ بداية الجائحة لم يتوقف أرباب المؤسسات الخصوصية عن الشكوى، حتى مع توقف التعليم الحضوري، رفض أرباب المؤسسات تخفيض الرسوم المفروضة على أمهات وآباء التلاميذ، رغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أثر على عدد من القطاعات الإنتاجية والمهنية وتأثيرها الأكيد على الوضع الاجتماعي للأسر.
لم تسجل المؤسسات الخصوصية موقفا تضامنيا، باستثناء عدد قليل منها، وأصرت على الاحتفاظ بنفس سعر الخدمة وإن تغيرت معالمها وتحولت من حضورية إلى خدمة عن بعد.
انتفض لوبي التعليم الخاص في أكثر من مناسبة وتُرك في مواجهة آباء وأمهات لا حول ولا قوة لهم، بل وظهر بأن وزارة التربية الوطنية نفسها “كبر عليها الماتش” وظهرت مغلوبة على أمرها، فباستثناء بعض المؤسسات التي بادرت إلى إعطاء انطباع إيجابي لدى من تُقدم لهم خدمة تربية وتعليم أبنائهم، كشفت أغلبية المدارس الخاصة عن جشعها وأطماعها في وجه أسر مزقتها تداعيات كورونا في المغرب.
كانت خرجات الوزير السابق للتربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي محتشمة، وحاولت تبرير استقواء لوبي القطاع التعليمي الخاص بعدم إمكانية تدخل الوزارة في عقد يربط بين المؤسسات وأولياء الأمور، مضيفا أن سلطة الوزارة تهم التراخيص و المواكبة والتفتيش والجوانب البيداغوجية فقط ولا تملك سلطة الضغط على المؤسسات لإلغاء الرسوم او تخفيضها حسب قانون 00X06، مضيفا في نفس السياق أن الوزارة أقدمت على التدخل للوساطة بين الطرفين، ونجحت مع بعض المؤسسات التي ألغت الرسوم نهائيا، أو خفضتها، في حين مازالت مؤسسات أخرى متمسكة بفرض الرسوم كاملة على أولياء الأمور. انبطاح الوزارة ليس جديدا، ففي يوليوز 2020 أذعنت لضغط لوبي التعليم الخاص من أجل الاستفادة من صندوق كوفيد 19 الذي ساهم المغاربة فيه بمساهماتهم، علما أنه أدرجتها في بداية الأمر ضمن القطاعات التي لا توجد في وضعية صعبة جراء تفشي فيروس كورونا، قبل أن تعود في قرارها وتقبل من جديد تعويض فئة من مستخدميها المصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي من طباخين وسائقين ومنظفين وغيرهم من الأعوان و المساعدين، وفق القرار المشترك لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي والوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي رقم 20-1507.
كرس هذا التخبط قوة هذا اللوبي الضاغط،أمام وزارة لا تملك قرارها وترسانة قانونية تحد من مجال تدخلها في التعليم الخصوصي و يمنع تدخلها في مجال اختصاصه لقص أجنحة لوبي القطاع الذي ظهر أقوى من الوزير نفسه وطرح التساؤلات حول امتداده داخل الدولة.
القرار الذي برره أمزازي في عدد من تصريحاته بتخوفه من أن هجرة 200 ألف تلميذ نحو المدارس العمومية قد لا تتحمله الأقسام العمومية، دفع وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي إلى التراجع عن قرار استبعاد مؤسسات التعليم الخصوصي من لائحة القطاعات المتضررة من الجائحة والمخول لها الاستفادة من صندوق الدعم الخاص بكوفيد19، غير أن الخفي في الموضوع قد يكون أكبر من ظاهره، أما عن المبرر الذي ساقه أمزازي فلم يقنع الكثيرين وقتها واعتبروه مجرد هروب إلى الأمام، لأنه يستحيل أن ينتقل 200 ألف تلميذ إلى التعليم العمومي بمجرد اختلاف مع المؤسسات الخاصة، لأن غالبيتهم كانوا يطالبون بإنصافهم من تغول واستقواء لوبي التعليم فقط، من كانوا يطالبون بشهادات المغادرة كانوا بصدد البحث عن مؤسسات جديدة تحتضن أبناءهم، وليس نقلهم إلى التعليم العمومي بالضرورة، كما قال الوزير، علما أنه من أبسط حقوقهم.
ولم تتوقف حرب المؤسسات الخاصة مع آباء وأولياء أمور التلاميذ التي بادرت إلى تكوين تنسيقيات ولجن بمختلف أقاليم المملكة شكلت “اتحاد آباء وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخاص بالمغرب” الذي نظم وقفات احتجاجية وأصدر بلاغات تنديدية بالصمت الحكومي تجاه معاناة الآلاف من الأسر مع جشع أرباب التعليم الخاص، كما أشادت بتدخل القضاء في أكثر من مناسبة من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وتغليب مصلحة التلاميذ.
والشيء بالشيء يذكر، فالقضاء المغربي أعطى إشارات إيجابية في معركة المغاربة مع المؤسسات الخاصة، وألزمها بتمكين المتمدرسين من شهادات المغادرة، وهدد تلك الممتنعة منها بأداء غرامات تأخيرية، كما حدث في حق مؤسسات خصوصية بسلا، بنجرير.. وذلك إعمالا للقاعدة القانونية ” المصلحة الفضلى للمتمدرسين وحقهم الدستوري في تيسير الولوج للتعليم يبرر تدخل قاضي المستعجلات لإلزام المؤسسة التعليمية الخصوصية التي يدرسون بها تسليمهم شهادة المغادرة “.
وهي رسالة واضحة للمؤسسات التي تمعن في ترويج خطاب التهديد في وجه الأمهات والآباء، من أجل إرغام أولياء الأمور على دفع الرسوم كاملة رغم الظرفية الاستثنائية التي عرفها المغرب جراء تداعيات جائحة كورونا، أو تلك التي تغالي في أسعار التسجيل والتأمين وبعض الواجبات الأخرى من النقل والأكل دون أن تظهر إشارة تضامنية واحدة في وجه الآباء الذين أثقلتهم الأقساط التي يوفرونها كل شهر لتمدرس أطفالهم.
كما أن صدور أحكام قضائية استعجالية تقضي بحق التلميذ ووليه في تحصيل الوثائق التربوية والإدارية من المؤسسة الخاصة، أصبح يلزم ويسائل وزارة التربية الوطنية لتسريع إصدار تعليماتها لمصالحها الجهوية والإقليمية لاتخاذ كافة التدابير لتمكين جميع التلاميذ وأوليائهم من جميع وثائقهم الإدارية والتربوية وفق ما يكفله لهم القانون، والحرص على تجنيبهم اللجوء للآليات القضائية.
كما أن الوزارة مطالبة بتفعيل آليات الرقابة والزجر بسحب تراخيص المؤسسات الخصوصية التي تصر على مخالفة القانون في تطبيق المساطر الإدارية والتنظيمية المعمول بها في وزارة التربية الوطنية، وانتهاك المصالح الفضلى للتلاميذ عبر مصادرة وثائقهم والتهديد بطردهم.
التعليم الخصوصي.. “محمية” بدون أسوار

تعليقات ( 0 )