مجلس المنافسة يجمد تدخل إلى حين تغيير القانون
بشكل متسارع، قفزت أسعار المحروقات فوق حاجز العشر دراهم، لتصل إلى أزيد من 10.50 درهم للتر الواحد، تاركة المستهلك في مواجهة مفتوحة مع الشركات، منذ قرار التحرير المشؤوم الذي كبل أيدي الجميع، بما في ذلك الحكومة التي تجد نفسها اليوم أمام واقع لا يرتفع: شركات تشهر الأسعار حسب هوامش الربح التي تحددها بشكل حر، ومستهلك يكتوي بنار الغلاء التي أتت على مختلف المواد.
في القصة خبايا والكواليس، لكن الأهم هو فشل الحكومة السابقة والحالية في اتخاذ قرار حاسم ينهي سطوة الشركات. أما مجلس المنافسة فيعيش اليوم حالة من الشلل، في انتظار أن يبادر الجهاز التنفيذي إلى خطوة تشريعية تحدد لدركي الاقتصاد صلاحياته الأساسية في حماية المنافسة والمستهلك.
وسط ارتباك كبير، ترك رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني ملف المحروقات في رفوف رئاسة الحكومة، متفاديا الخوض في تفعيل مقتضيات البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، رغم تأكيده على أن الحكومة ستعمل على الإسراع بالقيام بالمراجعات الضرورية وإعداد مشاريع القوانين التعديلية، لإعطاء قانوني حرية الأسعار والمنافسة ومجلس المنافسة الأبعاد التي يصبو إليها الملك محمد السادس.
لقد كان بلاغ الديوان الملكي، الصادر بتاريخ 22 مارس 2021، واضحا من خلال الأوامر التي أصدرها الملك محمد السادس بإحالة توصيات اللجنة الخاصة المكلفة من قبل الملك بإجراء التحريات اللازمة، لتوضيح وضعية الارتباك الناجمة عن القرارات المتضاربة لمجلس المنافسة، بشأن مسألة وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات، الواردة في المذكرات المتباينة، التي تم رفعها إلى العلم السامي لجلالته في 23 و28 يوليوز 2020.
وقد أمر الملك بإحالة هذه التوصيات إلى رئيس الحكومة، وذلك بهدف إضفاء الدقة اللازمة على الإطار القانوني الحالي، وتعزيز حياد وقدرات هذه المؤسسة الدستورية، وترسيخ مكانتها كهيئة مستقلة، تساهم في تكريس الحكامة الجيدة، ودولة القانون في المجال الاقتصادي، وحماية المستهلك. فما مصير هذه التوصيات؟
إلى حد اللحظة التي سلم فيها سعد الدين العثماني سلطاته، لم يتم القيام بأي مبادرة تشريعية تستهدف تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجنة. وقد أكدت مصادر من داخل المجلس أن الأخير لا يمكنه أن يعود لدراسة موضوع المحروقات دون أن تبادر الحكومة إلى تدقيق الوضع القانوني للمؤسسة، وهو الأمر الذي لم يتم في عهد الحكومة السابقة، وينتظر المجلس أن تبادر الحكومة الحالية إلى ذلك.
لكن في انتظار الوصول إلى هذه المرحلة، هل تتحلى الحكومة بالشجاعة السياسية وتستجيب لمطلب أحد مكوناتها –حزب الاستقلال- بإلغاء تحرير المحروقات؟ لقد وصف حزب الاستقلال التحرير بـ”الخطأ السياسي الجسيم”، محملا المسؤولية في ذلك إلى حزب العدالة والتنمية الذي اتخذ القرار أواخر سنة 2015 دون أن يتم اتخاذ أي إجراءات مواكبة.
في المحصلة، يرى حزب الاستقلال، من خلال مداخلة لفريقه بمجلس النواب، أن قرار تحرير أسعار المحروقات كانت له تأثيرات سلبية على المواطنين والاقتصاد الوطني، لأنه لم تتخذ الحكومة إجراءات مواكبة لهذا القرار، فضلا عن غياب ضبط قواعد المنافسة الشريفة والمتكافئة في السوق، وهو ما استغله الموزعون للرفع من هوامش الربح، وبالتالي ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وإلحاق أضرار بالمهنيين الصغار في القطاع.
هذا الموقف يضع الحكومة أمام امتحان سياسي صعب، في ظل وجود طرف داخل الأغلبية يرفع السقف عاليا في عدد من الملفات، وعلى رأسها المحروقات. فما الذي يمكن للحكومة القيام به من أجل عقلنة الأسعار والأرباح في هذا القطاع، لاسيما وأن هناك تقريرا برلمانيا فضح الأرباح الخيالية للشركات في فترة رفعت فيها حكومة الإسلاميين يدها بشكل كامل عن هذا القطاع.
السيناريو الأكثر تفاؤلا هو إلغاء الحكومة للتحرير. عمليا، سيمكن هذا القرار من تحديد الأسعار، بشكل سيكون في صالح المستهلك. لكنه في المقابل، سيجعل الحكومة مطالبة بدفع الفارق بين السعر المحدد والسعر الحقيقي، وهو السيناريو الذي يستحيل تطبيقه بسبب كلفته الثقيلة على ميزانية صندوق المقاصة.
السيناريو الثاني يقوم على تسقيف الأرباح، وهو قرار قابل للتنفيذ بوقع متفاوت على الأسعار حسب تقلباتها في الأسواق الدولية. فالحكومة بإمكانها أن تحدد سقفا معينا للأرباح، يأخذ بعين الاعتبار مختلف الهوامش بنسب معقولة، دون أن تترك للشركات الحرية الكاملة في تحديد أرباحها.
أما السيناريو الثالث فيتعلق بلجوء الحكومة إلى خلق نظام ضريبي مرن يتجه نحو الارتفاع أو الانخفاض حسب تقلبات الأسعار في السوق الدولية، كما هو الحال بالنسبة لبعض المواد الغذائية من قبيل الحبوب التي يمكن أن تلغي الحكومة رسومها أو تخففها تبعا لتطور الأسواق.
ويجد السيناريو الأخير معقوليته في قيمة الضرائب المفروضة على المحروقات، وهو الأمر الذي سيكون له انعكاس مباشر على الأسعار. ففي المغرب، تطبق الدولة على المحروقات نوعين من الضرائب: ضريبة الاستهلاك الداخلية (TCI)، والتي حددت بقانون في 3,764 درهما لتر البنزين و2,422 درهما للتر الغازوال. وهناك الضريبة على القيمة المضافة، والتي حددت بقانون في %10 من ثمن الاستيراد. في المحصلة، تمثل هذه الضرائب حوالي 37% من ثمن بيع الغازوال و47% من ثمن البنزين.
كل هذه السيناريوهات، وأخرى قد يتم التفكير فيها داخل الحكومة، من شأنها أن تخمد لهيب الأسعار وتضع حدا لتغول لوبي المحروقات. فارتفاع أسعار الوقود أصبح يؤثر ليس فقط على جيوب مستعملي السيارات، بل له أثر مباشر على أسعار النقل العمومي، ونقل البضائع وغيرها، مع ما لذلك من آثار على تحديد السعر النهائي للخدمات والسلع.
تعليقات ( 0 )