الحكومة تتبرأ وخبراء يحذرون من زيادات جديدة
لم تكد حكومة عزيز أخنوش تتجاوز شهرها الأول، حتى تفجرت أمامها رزمة من ملفات الثقيلة، التي أحرقت يد الحكومات السابقة وتحولت مع مرور الوقت إلى “قنبلة موقوتة” تنظر قرارا سياسيا لا يحتمل التأخير. وبين وعود الانتخابات و”أحلام” الوصول إلى السلطة، بدت حكومة عزيز أخنوش وكأنها غير مستوعبة لعدد من الملفات الملتهبة التي تفجرت أمامها في أولى أيام التدبير العمومي.
قبيل مغادرتها لتدبير الشأن العام، تركت حكومة سعد الدين العثماني “لغما” اجتماعيا فوق مكتب عزيز أخنوش. فأسابيع قليلة من نهاية ولاية الحكومة السابقة، اشتعلت الأسعار بشكل لافت لتسجل عدد من المواد الغذائية زيادات ثقيلة فجرت غضب فئات واسعة، وطرحت علامات استفهام حول دور الجهاز التنفيذي في مراقبة الأسعار.
كانت البداية مع أسعار زيت المائدة. بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات، سجلت الأسعار في بداية السنة ارتفاعا بلغ 15 درهم في قنينات 5 لترات ما دفع الكثيرين للتلويح بخيار “المقاطعة”. إشارات سرعان ما أخرجت الشركات المنتجة عن صمتها من أجل نزع فتيل التوتر، واستباق أي سلوك عقابي من طرف المستهلك.
هذا الارتفاع الذي وصل ذروته في شهر فبراير 2021، ربطه المهنيون بالتحرير الكامل للسوق الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد كل حاجياته من السوق الخارجي على شكل بذور فول الصويا وعباد الشمس التي يتم طحنها، أو زيوت خام وهذا ما يعرض القطاع بشدة لتقلبات الأسعار العالمية.
وشدد منتجو الزيوت على أن هذه المواد الأولية سجلت ارتفاعا كبيرا في أسعار البيع منذ ماي 2020، حيث وصلت نسبة زيادة أسعار المواد الأولية الزيتية إلى أكثر من %80، مشيرا إلى أن هذا المستجد يرجع بشكل أساسي إلى الظروف المناخية السيئة التي أثرت على الإنتاج العالمي لجميع البذور الزيتية، وكذا ارتفاع الطلب على الأسواق العالمية من البلدان المستوردة من أجل توفير مخزون أمني، منذ بداية الأزمة الصحية العالمية.
وأشار المهنيون إلى أن منتجي الزيوت المغاربة استطاعوا تأمين مخزون مهم من المواد الأولية لتفادي حدوث أي نقص في هذه المادة الحيوية، حيث زودوا بذلك السوق الوطني دون أي انقطاع رغم التحديات الجسيمة التي رافقت هذه الظرفية العصيبة.
هذه الزيادات التي انضافت إلى لائحة من الزيادات والفواتير الصاروخية التي تثقل جيوب المواطن المغربي، سرعان ما تحولت إلى واقع وجب التعامل معه، في وقت استمرت عدد من أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، بل إن هذه الزيادات ضربت أيضا حليب الأطفال الذي يباع في الصيدليات، والذي شهد زيادات مهمة دون أن أي تدخل من الحكومة.
هكذا، استمرت الزيادات في استنزاف جيوب المواطنين إلى أن اشتعلت مرة أخرى أسعار مواد غذائية أساسية، بدء من السميد والدقيق ووصولا إلى المعجنات والقطاني. زيادات تجاوزت 3 دراهم للكيلوغرام الواحد بالنسبة للسميد، ما فجر غضبا كبير في وجه حكومة عزيز أخنوش.
كل المؤشرات كانت تدل على وجود اتفاق بين الشركات من أجل رفع الأسعار، والسبب والمبرر واحد: “ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق الدولية”، علما أن قرارات عديدة اتخذت من أجل ضمان نسبة رسوم ضريبية منخفضة، بما يجعل الأسعار تكون في متناول الجميع..لكن الذي وقع، هو أن الأسعار جنت على جيوب الجميع.
لكن فوزي لقجع، الوزير المكلف بالميزانية، والخبير العارف بخبايا الاقتصاد الوطني، كان له رأي آخر في هذه الزيادات التي دفعت الحكومة إلى الخروج عن صمتها من أجل إخماد حدة الغضب. لقجع حاول في بداية الأمر أن يبعد مسؤولية هذه الزيادات عن حكومة أخنوش، بتأكيده على أن الارتفاع في الأسعار بدأ بشكل ملحوظ ابتداء من أبريل 2021، وليس ابتداء من أكتوبر، بعدما سجلت الأسعار انخفاضا في السوق الدولية سنة 2020.
الوزير قدم معطيات رقمية، قد تكون بعيدة عن واقع الأسواق، لكنها تعكس التقارير التي تبني على الحكومة قراراتها. فقد أوضح أن مؤشر السعر عند الاستهلاك بـ2 في المائة؛ لأن أسعار النقل ارتفعت بشكل حاد بـ7.1 في المائة. وأضاف المواد الغذائية عرفت ارتفاعا طفيفا بـ0.7 في المائة؛ في حين أن أسعار المواد ذات الأثمان المحددة، والتي تمثل 22 في المائة من سلة المنتوجات المستهلكة، ارتفعت ب1.3 في المائة خلال هذه الفترة، أي بنفس وتيرة السنة الماضية.
أيا كانت هذه المؤشرات، فإن الزيادات في الأسعار أصبحت واقعا لا يرتفع. فمن جهة، يتحمل المواطنون الأسعار المرتفعة لعدد من الخدمات العمومية، كالنقل والتمدرس وتكاليف الاستشفاء وتمدرس الأبناء. ومن جهة ثانية، تزيد “أزمة القفة” في الاستفحال، واضعة أسئلة ملحة على حكومة أخنوش في انتظار أن تجد أجوبة عملية تنهي سطوة اللوبيات وتضرب بيد من حديد على الوسطاء والمضاربين الذي يشعلون الأسعار على طول المسار الرابط بين المنتج والمستهلك النهائي.
تعليقات ( 0 )