بات في حكم المؤكد أن عددا من مدن المملكة ستشهد أزمة حقيقية في تزويدها بالماء الصالح للشرب، بسبب التراجع المهول لمخزون السدود واستنزاف الفرشة المائية في المجال الفلاحي، الأمر الذي بات يهدد بعودة “أزمة العطش” على غرار ما وقع في بعض المناطق خلال السنوات الماضية.
آخر المعطيات التي قدمها وزير التجهيز والماء نزار بركة، الثلاثاء الأخير أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن بمجلس النواب، تظهر أن حجم المخزون المائي بحقينات السدود، بلغ، إلى غاية 28 فبراير 2022، حوالي 5.3 مليار م3، أي ما يعادل 32.7 بالمائة كنسبة ملء إجمالي مقابل 49,1 بالمائة في الفترة ذاتها من السنة الماضية.
الوزير أكد بأن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود سيمكن من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء تلك الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت وكذلك كير زيز غريس التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في التزويد بالنظر الى المخزون المائي الحالي الضعيف بالسدود في هذه الأحواض.
هذه الوضعية ناتجة عن تراجع مهول في مخزون السدود. فمعدل التساقطات سجل، عند متم فبراير المنصرم، عجزا بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية بنسبة تتراوح ما بين 30 بالمائة إلى 50 بالمائة على صعيد حوض كير زيز غريس وحوض درعة واد نون، وما بين 60 بالمائة إلى 70 بالمائة على صعيد أحواض اللوكوس وسبو وأبي رقراق و الساقية الحمراء وادي الذهب، ومابين 71 بالمائة إلى 80 بالمائة على صعيد أحواض سوس ماسة و تانسيفت وأم الربيع و ملوية. وبلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجل بمجموع السدود الكبرى للمملكة بلغ، خلال الفترة الممتدة من فاتح شتنبر 2021 إلى غاية 28 فبراير 2022، حوالي 732 مليون م3، مما يشكل عجزا يقدر ب 89 بالمائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات.
شبح العطش
أمام شح المياه وتراجع مخزون السدود، أصبحت عدد من المناطق مهددة بشبح العطش. وتفيد معطيات الوضعية الحالية لتزويد المدن والمراكز بالماء الصالح للشرب، أنه بالنسبة للمدن الكبرى التي تتولى بها الوكالات وشركات التدبير المفوض مهمة التوزيع، فيتم تزويدها بالماء الصالح للشرب عموما بصفة منتظمة، باستثناء مدينة وجدة التي تعرف نقصا بالصبيب والضغط في بعض المناطق المرتفعة بالمدينة. وبالنسبة لـ762 مدينة ومراكز التي يتدخل بها المكتب على الصعيد الوطني، فيتم حاليا تزويد معظمها بصفة منتظمة، باستثناء 26 مركزا والتي تهم 150974 زبونا، فهي تعرف بعض الاضطرابات في التزود بالماء والشروب.
وتبدو وضعية التزويد بالماء المرتقبة خلال صيف 2022 قاتمة على مستوى بعض المناطق. فبالنسبة للمدن الكبرى، التي تتولى بها الوكالات وشركات التدبير المفوض مهمة التوزيع، سيتم تزويدها عموما بصفة منتظمة ودائمة خلال صيف 2022، باستثناء مدينتي وجدة ومراكش اللتان ستعرفان بعض الخصاص في التزويد نظرا للانخفاض الكبير للموارد المائية السطحية التي تزودهما.
وبالنسبة للمدن والمراكز التي يتدخل بها المكتب على الصعيد الوطني، سيتم تزويد معظمها بصفة عادية ودون أي عجز خلال صيف 2022، باستثناء 54 مدينة ومراكزا، أي 7% من مجموع المراكز التي يتدخل بها المكتب تهم حوالي 232 ألف و997 زبونا.
أسباب الأزمة
من الواضح أن هناك قناعة لدى الخبراء والفاعلين المؤسساتيين بأن الموارد المائية يتم استنزافها بشكل كبير في المجال الفلاحي. فالعرض المقدم من طرف المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أمام بمجلس النواب أكد بشكل صريح أن من أسباب العجز المسجل في تزويد بعض المدن والمراكز بالماء هناك “الإفراط في استغلال المياه الجوفية لأغراض زراعية”.
وأشار المدير العام إلى أسباب أخرى، منها انخفاض إنتاجية الموارد الجوفية بسبب قلة التساقطات المطرية، والزيادة في الطلب على مياه الشرب وتأثيرها على القدرة الاستيعابية لبعض منشآت الإنتاج وقنوات الجر المنجزة. هذه الوضعية التي قد تثير قلاقل اجتماعية في بعض المناطق، يحاول المكتب التعامل معها من خلال إجراءات على المدى القريب، وأخرى على المدى المتوسط والبعيد.
على المدى القريب، ستتم تعبئة شاحنات صهريجية من طرف السلطات المحلية لتزويد التجمعات أو الأحياء التي تعرف خصاصا. كما ستتم تعبئة موارد مائية محلية جديدة وتعميق الآبار المستغلة حاليا للرفع من صبيبها، مع المراقبة المستمرة لمنشآت الإنتاج والتوزيع قصد التدخل السريع، فضلا عن البحث وإصلاح التسربات التي تقع بشبكات التوزيع وكذا قنوات الجر. هذا بالإضافة إلى وضع برامج لتوزيع الماء الصالح للشرب، وإنجاز برامج وحملات تحسيسية قصد الاقتصاد في استعمال الماء.
هذه الإجراءات تنضاف إليها أخرى، يتم تنفيذها من طرف السلطات العمومية من قبيل منع استعمال المياه العذبة في سقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف وغيرها، وتقليص استعمال مخزون المياه في المجال الفلاحي، لاسيما بالنسبة لبعض الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة، فضلا عن إجراءات أخرى كخفض الصبيب وتحسيس الساكنة بضرورة التعامل بمسؤولية وعقلانية مع الموارد المائية.
وعموما، فإن الأزمة التي يواجهها المغرب هذه السنة مرتبط في جزء منها أيضا بتعثر هذه المشاريع وتأخر إنجازها. فالوزير نزار بركة اعترف بعدم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للماء التي وضعت سنة 2009، حيث سجل تأخر وتيرة إنجاز السدود المبرمجة، مشيرا إلى أنه من أصل 57 سدا مبرمجا، تم إنجاز 9 سدود كبيرة في حين يوجد 15 سدا في طور الإنجاز.
ومن المشاريع الضخمة التي سبق الإعلان عنها هناك مشروع تحويل المياه من أحواض لاو واللكوس وسبو إلى أحواض أم الربيع وتانسيفت، غير أن هذا المشروع عرف بدوره تأخرا في إنجازه، مما نجم عنه تأثير على تلبية الحاجيات من الماء الصالح للشرب لكل من المدن الساحلية الأطلسية ومدينة مراكش.
كما عرفت مشاريع تحلية مياه البحر تأخرا في الإنجاز ونخص بالذكر المتعلقة بدعم تزويد مدينة الدار البيضاء الكبرى بالماء الصالح للشرب التي من المتوقع أن تعرف عجزا من الماء على المدى المتوسط (2025) وكذا مشروع تحلية مياه البحر بمدينة السعيدية (لسد حاجيات مياه كل من السعيدية والدريوش والناظور وبركان).
أزمة المياه.. تأخر تنفيذ مشاريع عملاقة بمئات المليارات يفضح سوء التدبير

تعليقات ( 0 )