الأسعار تفجر الغضب وتضع الحكومة في مواجهة الشارع

حتى قبل أن يكمل سنته الأولى، بدأ رئيس الحكومة -صاحب نظرية “إعادة الترابي” للمغاربة- يواجه أسوأ شعار قد يرفع في وجهه: “أخنوش-إٍرحل”. فبعد شهور عديدة من التسيير، والوعود التي تم توزيعها بشكل تجاوز حدود المنطق الاقتصادي والمالي للدولة، ها هو عزيز أخنوش يواجه اليوم غضبا شعبيا كبيرا بسبب اشتعال أسعار مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية.
عزيز أخنوش، رجل الأعمال الذي ترتبط صورته أساسا بـ”مول المازوط”، يواجه هذه الأيام امتحانا صعبا بالرغم من الجهود المضنية التي تخوضها “الكتائب الإلكترونية” من أجل تلميع صورة الرجل وحكومته، وبالرغم من الغطاء السياسي الذي يوفره حزب التجمع الوطني للأحرار، حتى إن من قرأ بلاغ مكتب السياسي سيستغرب من حجم الإشادات المبالغ فيها للعمل الحكومي بالرغم من حدة الانتقادات، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعي.
وضع تقابله الآذان الصماء للحكومة، اللهم بعض التصريحات التي تتحول إلى “نيران صديقة” كما وقع عندما أدلى الوزير مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة بمعطيات حول دعم الحكم لاستقرار أسعار الخبز بحوالي 50 مليار شهريا، قبل أن يخرج المهنيون ليكذبوا ذلك بل ويعلنوا عزمهم تحرير الأسعار بشكل انفرادي.
شبح المقاطعة
في كواليس ماكينة “التواصل السياسي” لحزب التجمع الوطني للأحرار، والتي تتداخل مع التواصل الحكومي على أكثر من صعيد، يعيش مختلف خبراء التواصل والصورة والعلاقات العامة والتسويق على وقع استنفار كبير، مرده إلى عودة ظهور “وسم” المقاطعة في شبكات التواصل الاجتماعي، في خطوة تحمل أكثر من رسالة على أن هذا السلوك العقابي للمستهلك، والذي كبد شركات بعينها خسائر فادحة قبل حوالي 4 سنوات، لم يتم تحييد خطره إلى الأبد.
يوم الاثنين المنصرم، تصدر وسم “أخنوش إرحل” موقع تويتر على الصعيد الوطني، قبل أن تصل شظاياه إلى موقع “فايسبوك”، في سياق غضب شعبي كبير من ارتفاع الأسعار. والواضح أن عزيز أخنوش، وبالرغم من كل القرارات والإعلانات التي كشف عنها بخصوص انسحابه من التدبير المالي للهولدينغ العائلي، إلا أن صورته كرجل أعمال صاحب أكبر شركة للمحروقات في المملكة، تجعل يواجه خطر حرق أوراقه بسرعة كبيرة.
اشتعال أسعار المحروقات هذه اليوم، وبلوغها مستويات قياسية وغير مسبوقة في تاريخ المملكة بعدما وصل الغازوال إلى 11 درهم للتر الواحد، دفع نحو إعادة تفعيل مجموعة من الوسوم التي التصقت بحملة مقاطعة شركة الملياردير المغربي سنة 2018، والتي كبدتها خسائر كبيرة بالرغم من أنها حققت أرباحا طائلة منذ قرارا تحرير المحروقات.
الوضع السياسي المهزوز لرئيس الحكومة، ونحن لم نتجاوز حتى الستة أشهر الأولى من تعيين الحكومة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول “بروفايل” الرجل ومدى قدرته على اتخاذ قرارات سياسية من أجل ضبط الموازين الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بذل “الاستقواء” بأغلبية قد لا تسعف الرجل والحزب في مواجهة غضب اجتماعي كبير بدأ يلوح في الأفق.
المال بدون سياسة
في قلب أزمة اجتماعية حقيقية تواجه الحكومة، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار مختلف المواد الغذائية، اختارت الحكومة الصمت بالرغم من وجود مطالب برلمانية من المعارضة بضرورة التدخل للجواب على أسئلة ملحة. هذا الملف الذي طرح منذ أول يوم في عهد حكومة أخنوش، أصبح اليوم يأخذ بعدا يسائل قدرة الحكومة على تدبير الشأن العام بكل توازناته الضرورية.
ربما كان عبد الإله بنكيران محقا عندما صرح ذات يوم بأن أخنوش “ماعندوش الكباري ديال السياسة”، حتى وإن كنا نعلم بأن “تضلع” رئيس الحكومة الأسبق في السياسة لم يكن في خدمة المغاربة، بل إن الفترة التي قضاها بنكيران داخل الحكومة شكلت أسوأ الفترات التي تلقى فيها المغاربة الضربات تلو الضربات، ولازلنا إلى اليوم نؤدي ثمنها..وهنا الحديث مثلا عن تحرير المحروقات.
لكن الذي لا نستطيع نفيه، في ظل هذا الجمود السياسي وعدم قدرة أخنوش على اتخاذ أي قرار حكومي باستثناء بعض الإجراءات الشكلية المثيرة للجدل، من قبيل فرض اللقاح أو منع الموظفين غير الملقحين من ولوج إلى مقرات العمل. بل أخنوش تحول، مع مرور الأيام، إلى ما يشبه منسقا لأعمال الحكومة أكثر من رئيس لها، يفترض أن يتخذ القرارات بكل جرأة ومسؤولية وتجرد، حتى وإن كانت قد تمس بمصالحه الشخصية، ومصالح بعض المقربين منه.
أخنوش رجل أعمال يتسيد على عرش مليارديرات المملكة..لديه ممتلكات لا تعد ولا تحصى..يتوفر على شركات تبيض الذهب والفضة..يستطيع أن يطلق حملات تواصلية وتسويقية تنفذها شركات متخصصة في المجال بناء على دراسات تستنزف الملايير..لكنه بكل بساطة، رجل المال بدون سياسة، وقد عرته حملة المقاطعة وجعلته يتحول إلى رمز لزواج المال والسلطة يواجه اليوم أحد أصعب الامتحانات في كنف السلطة.
إذا كان رئيس الحكومة يريد اليوم أن يتصالح مع المغاربة، ويبعد عنه صورة رجل الأعمال الذي يخدم مصالحه الخاصة، فعليه أن يتوجه نحو اتخاذ قرارات حاسمة تعيد للحكومته هيبتها وتضع حدا لهذا التدهور الخطير في القدرة الشرائية للمواطنين بدل اللعب على ورقة “الصبر” الذي بدأ ينفذ.
أخنوش هو مالك أكبر شركة للمحروقات في المغرب، والتي تعرض بدورها لحملة مقاطعة واسعة..وإذا كانت للرجل ومحيطه ذرة من الحكمة والنباهة السياسية، فمن الضروري يتحرك الرجل من أجل وضع حد لتغول لوبي المحروقات..فبغض النظر عن الارتفاع المسجل في أسعار المحروقات دوليا، فإن ثمة الكثير من الغموض الذي يحيط قيمة الأرباح التي تراكمها الشركات العاملة في هذا القطاع، وكيف تعمد إلى رفع الأسعار بشكل جماعي حتى إن منطق المنافسة لم يعد له وجود منذ قرار حكومة بنكيران تحرير السوق وتقديم المواطنين كبش فداء للوبيات المحروقات.
 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي