الكلمات الواردة في العنوان قد لا يعتبرها الكثير من القراء متناسقة فيما بينها ولهم الحق في اعتبارها كذلك. نعيش منذ سنوات عديدة على إيقاع الاحتجاجات، وأصبحت أشكال الأزمة الاجتماعية التي نعرفها متعددة، لكن قضية الأساتذة المتعاقدين فرضت نفسها على الشارع وعلى مؤسسات ممارسة السياسة من حكومة وبرلمان وأحزاب ونقابات. هل نحن واعون بأهمية السلم الاجتماعي؟ أكاد أشك أن بين ظهرانينا الكثير من العقلاء.
و في غمرة ازدياد حدة المواجهات بين الأساتذة المتعاقدين والحكومات المتعاقبة، جاءت وزارة التربية الوطنية لتصب بعض الزيت على نار مشتعلة. وبالطبع يعرف المسؤولون أن غياب الحوار وفرض الأمر الواقع لا يمكن أن يمر بسهولة في هذا الزمن. الكل يعلم أن تاريخ مؤسسات الوساطة السياسية والاجتماعية عرف الكثير من النكسات.. أضعفت الأحزاب التي كان لها وجود في الواقع وأنهكت التمثيل النقابي. ونوجد اليوم أمام أشكال جديدة لا خبرة لها بالتنسيق وتدبير الحوار ولا تتحرك قيد أنملة عن مطالبها. وتزداد حدة احتجاجاتها كلما احتدت المواجهات بينها وبين من أوكل إليهم الحفاظ على الأمن العام.
الكل يعرف أن توظيف الأساتذة يطرح مسألة الثقة في القرار التدبيري العام. يقال إن المشكلة مالية وأن التعاقد لا تظهر أثاره على عجز الميزانية. وهذا خطأ وضحك على الذقون، ولعل خرجات الوزراء الجدد لم تمهل الحكومة الوقت الكافي أو ما يسمى بالأيام 100 الأولى من عمرها. قيل إن المستقبل سوف يكون أحسن ضمن الوظيفة العمومية الجهوية، ولذلك لا مجال لحل مشكلة الأساتذة المتعاقدين خارج هذا الإطار.
الأمر يتطلب اجتهادا وقرارات هادئة تعطي لمفهوم هذا التوجه الجهوي الإطار القانوني المقبول وذلك عبر مشروع ينقل تبعية جميع الأساتذة والمعلمين من ميزانية الوزارة إلى الأكاديميات دون المس بحقوق مكتسبة. وتكتفي
الوزارة بتدبير موظفيها المركزيين، أما الجانب المالي فسيظل في حجمه ما دام الراتب والحقوق الاجتماعية هي نفسها على جميع التراب الوطني.
و لكن السياسات العمومية القطاعية يجب ألا تغفل في تنزيلها أهمية السلم الاجتماعي وأن تتوخى احترام المبادئ التي نص عليها الدستور في مجال العدالة الاجتماعية والمساواة. ويحتاج الأمر بالطبع إلى الخبرة السياسية التي يجب أن تصاحبالإصلاح. فماذا يعني قرار تحديد سن 30 سنة كحد أقصى لولوج مهنة التدريس بالقطاع العام؟ الأمر لن يعني شيئا آخر غير تهميش من تجاوز سن الثلاثين مهما كانت قيمة تكوينه ومهما كان وضعه الاجتماعي ومهما كان موقعه الجغرافي.
من كان السبب في صنع آلاف العاطلين الذين تخرجوا من الجامعة المغربية؟ إنها السياسات العمومية وضعف أدائها وضعف تتبعها وغياب تقييمها رغم ما رصدت لها من أموال عمومية. القرار قد يتسبب في تصدع الأغلبية الحكومية في الوقت الذي يجمع فيه الجميع على ضرورة إصلاح تدبير التعليم . ماذا ستقول الأحزاب لأعضائها المقصيين من الالتحاق بوظائف التعليم لأنهم تجاوزوا سن الثلاثين؟ ونرجع إلى الهفوات الأولى والناتجة عن خرجات إعلامية غير موفقة يظهر أنها فردية.
أصبح لزاما أن تنضبط كل الوزارات لما جاء في التصريح الحكومي، وأن يتم ضبط بعض السلوكات التي تؤذي التضامن الحكومي وتتسبب في أزمات، جراء طموحات شخصية سببها غياب أي التزام سياسي.
هناك مرجعية كبرى تحددها التوجيهات الملكية وهناك برنامج حكومي يهدف إلى التنمية في إطار الاستقرار. لكل هذا وجب على السيدة والسيد الوزير التزود بالحكمة والمعرفة الكبيرة بأهمية الحكامة الملتزمة وليس بثقافة تقنوقراطية لا تربط الحلول بآثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبه وجب الإعلام والسلام.
سياسة وتقنوقراط وسلم اجتماعي

تعليقات ( 0 )