في وقت تتغير فيه خريطة الإعلام الرياضي عالميا، برز اسم DAZN كواحدة من أكثر المنصات إثارة للجدل والطموح. لكنها، رغم انتشارها العالمي وشعارها البراق “منصة الرياضة العالمية”، ما تزال تكافح من أجل تحقيق التوازن المالي.
فما قصة هذه المنصة؟ من يملكها؟ كيف تموَّل؟ وما علاقتها بالاستثمارات العربية؟ والأهم: من يسدّ العجز الضخم الذي يتسع كل عام؟
منصة خرجت من رحم الطموح البريطاني
تم إطلاق DAZN عام 2016 من قبل مجموعة إعلامية بريطانية تُدعى Perform Group، لكن المشروع سرعان ما أصبح ملكا كاملا لشركة Access Industries، التي يملكها الملياردير الأوكراني الأصل البريطاني الجنسية لين بلاتفاتنيك.
رأى بلاتفاتنيك أن الرياضة هي المستقبل، وأراد إنشاء “نتفليكس رياضي” يقدم البث المباشر والبرامج والتحليلات عبر الاشتراك الشهري، دون الحاجة للقنوات التقليدية.
مليارات بدون أرباح!
منذ انطلاقها، استثمر بلاتفاتنيك أكثر من 6.7 مليار دولار في المنصة من ماله الخاص، لتغطية نفقات الحقوق الرياضية، البنية التحتية، التوسع الجغرافي، والبرمجة.
ورغم هذه الضخامة، لم تُحقق المنصة أي أرباح إلى حدود اليوم. بل إن الخسائر التراكمية تجاوزت 8.5 مليار يورو بحلول 2024، أي ما يعادل تقريبا ميزانية دولة صغيرة.
من يملك DAZN؟
تحوّلت منصة DAZN في السنوات الأخيرة إلى اسم بارز في عالم البث الرياضي الرقمي، لكنها ليست مجرد منصة بث عادية، بل مشروع ضخم تدعمه رؤوس أموال هائلة وطموحات تتجاوز المجال الرياضي.
المالك الرئيسي لـ DAZN هو الملياردير البريطاني من أصل أوكراني لين بلاتفاتنيك، عبر شركته الاستثمارية Access Industries. هذه الأخيرة تُمثّل الممول الأول وصاحبة القرار في المنصة، وهي من تتكفّل حتى الآن بسدّ الفجوة بين الإيرادات والمصاريف.
في فبراير 2025، دخل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) على خط المساهمين، عبر ذراعه الرياضي SRJ Sports Investment، باستثمار تجاوز مليار دولار مقابل حصة نسبة أسهم تقل عن 5%. هذا الدخول لم يكن صدفة، بل جزء من رؤية السعودية الاستراتيجية لتعزيز حضورها في الإعلام الرياضي العالمي.
ومنذ استحواذ DAZN على مجموعة فوكستيل الأسترالية، انضم شركاء جدد إلى هيكل الملكية، من ضمنهم News Corp بحصة تبلغ 6%، وTelstra الأسترالية بنسبة 3%.
لماذا تستثمر السعودية في DAZN؟
الاستثمار السعودي في DAZN يُفهم ضمن رهان واضح على القوة الناعمة للإعلام والرياضة.
DAZN تتيح للسعودية التموقع ضمن الفاعلين العالميين في قطاع البث الرياضي.
إطلاق منصة DAZN MENA لتغطية العالم العربي بمحتوى خاص.
ضمان حقوق بث حصرية لبطولات كبرى مثل كأس العالم للأندية، UFC، فورمولا 1، وغيرها.
الهدف ليس فقط ماليا، بل كذلك سياسيا واستراتيجيا، حيث تسعى السعودية لفرض نفسها كلاعب أساسي في معركة التأثير العالمي عبر الرياضة.
كيف تُدار DAZN وماذا تقدم؟
تعتمد DAZN على نموذج اشتراك شهري أو سنوي، وتُقدّم بثا مباشرا لعشرات البطولات في كرة القدم، الملاكمة، الغولف، كرة السلة، وغيرها. لكنها لم تكتفِ بذلك، بل بدأت توسع نشاطها ليشمل، إنتاج محتوى أصلي: تحاليل، أفلام وثائقية، كواليس المباريات ودخول مجالات تجارية موازية: بيع التذاكر، التجارة الرياضية، وحتى الرهانات الإلكترونية.
كل هذا ضمن استراتيجية التحول إلى ما يشبه “نتفليكس الرياضة”، لكن على نطاق أكثر تفاعلية وربحية.
متى تصل DAZN إلى التوازن المالي؟
رغم طموحاتها الكبيرة، لا تزال DAZN تعمل تحت ما يُعرف في الاقتصاد بـ”مرحلة حرق الأموال”.
وفق تقديرات “فاينانشل تايمز”، تأمل المنصة في الوصول إلى نقطة التوازن المالي بحلول عام 2026.
لتحقيق هذا الهدف، تضع الشركة نصب أعينها:
رفع عدد المشتركين إلى أكثر من 35 مليون (بينما يبلغ حاليا حوالي 20 مليون).
تنويع مصادر الإيرادات لتشمل الإعلانات والرهانات والمنتجات.
السيطرة على تكاليف شراء الحقوق، التي أثقلت ميزانية المنصة في السنوات الأخيرة دون تحقيق عوائد متوازية.
في الوقت الحالي، يتم تمويل العجز من خلال دعم مباشر من Access Industries، واستثمارات إضافية مثل مساهمة صندوق PIF، فضلا عن تحويل بعض الديون إلى أسهم، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط المالي المرحلي..
خلاصة
DAZN ليست مجرد منصة رقمية، بل مشروع إعلامي رياضي عابر للقارات، مدعوم من كبار أثرياء العالم، وعلى رأسهم لين بلاتفاتنيك، ومعه اليوم صندوق الاستثمارات السعودي. في الوقت الذي تُراهن فيه المنصة على المستقبل، فإنها لا تزال تعتمد في حاضرها على تمويل خارجي سخي.
يبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح DAZN فعلا في أن تصبح “نتفليكس الرياضة”، أم تنطفئ مثل تجارب إعلامية كبرى فشلت في موازنة الطموح مع الواقع؟
تعليقات ( 0 )