نهضة بركان وشباب قسنطينة.. حين تنتصر الرياضة، ويخسر وهم العداوة

في زمن أصبحت فيه الرياضة ملعبا خلفيا لتصفية الحسابات السياسية، جاءت مواجهتا نهضة بركان وشباب قسنطينة، ذهابا وإيابا لتلقننا درسا بليغا في كيفية إعادة الرياضة إلى حقيقتها الأولى، تنافس شريف وروح رياضية واحترام متبادل.

لم نرَ في الملعب شعارات معادية، ولا مشاهد استفزازية، ولا سمفونية الكراهية التي يعزفها بعض محترفي الديماغوجيا من خلف الستار. كان اللقاء لقاء كرة قدم، وفقط.

انحنى فيه اللاعبون لبعضهم البعض بعد نهاية المباراة، وصفق الجمهور للفريقين..مباراة بنكهة أخلاقية عالية.

نهضة بركان حسم تأهله بجدارة ذهابا، وشباب قسنطينة فاز عن استحقاق إيابا وبين النتيجتين كان عنوان واحد يتصدر الموقف..الاحترام.

وكأن اللاعبين قرروا أن يرسلوا رسالة صامتة لكنها مدوية..

لكن، وكما هو متوقع، لا يبدو أن النظام العسكري الجزائري سيتوقف طويلا أمام هذا المشهد.

نظام أنفق الملايير لتحريك دواليب الدعاية السوداء ضد المغرب،والتحرش بوحدته الترابية، وفتح خزائن المال العام ليشغل ملايين المواطنين بعدو وهمي اسمه المغرب لا يمكنه أن يقرأ جيدا هذه المباراة.
نظام لو صرف هذا الجهد في بناء الجسور، بدل المتاريس لساهم في جعل المغرب الكبير قاطرة تنموية بدل أن يبقى رهين حسابات بائسة، وعرضة للابتزاز من عدة أطراف خارجية تتغذى بدورها على هذا الانقسام المفتعل..
لو أن العسكر أدركوا يوما أن التكامل بين شعوب المنطقة أكثر نفعا من العداء، لكان المشهد مختلفا، حدود مفتوحة، مشاريع تنموية كبرى، تكامل اقتصادي، ومستقبل يليق بالشعبين، لكنهم اختاروا الغرق في معارك مفتعلة، بدل أن يسيروا مع التاريخ.

الرياضة في العالم المتحضر كانت دائما جسرا لتقريب الشعوب، وليست منصة لتغذية العداءات.

والرياضة اليوم تثبت من جديد، أن الشعوب تسبق دائما أنظمتها بمراحل..

لم يكن نهضة بركان وشباب قسنطينة مجرد فريقين يتصارعان على بطاقة النهائي، بل كانا في لحظة عابرة يلعبان من أجل فكرة أكبر، وهي أن المشترك أكبر من حدود السياسة الضيقة..

هي رسالة واضحة للنظام الجزائري الذي لا يزال يصر على السباحة ضد تيار التاريخ، أن الشعوب حين تلتقي وتتصافح وتتنافس بشرف، فإن من العبث السباحة عكس منطق الأشياء.

الروح الرياضية التي شهدناها بين بركان وقسنطينة، يجب أن تكتب بماء الذهب، وأن تُعلق في صدر كل مسؤول يصر على رؤية الآخر خصما، لا أخا وشريكا..

فهل يستمع العسكر لصوت المدرجات؟

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي