“النموذج النهبوي الجديد”!!

في الوقت الذي كانت فيه لجنة شكيب بنموسى تعكف على رسم خارطة طريق النموذج التنموي الجديد، وفي الوقت الذي كانت فيه مجموعة من المؤسسات الدستورية، تتبارى في رسم عناوين كبرى لهذه الاستراتيجية، كان هناك نموذج آخر يُبنى، لكن بخطة دقيقة ومحكمة، هو “النموذج النهبوي الجديد”.!!

أصحاب هذا النموذج، لا يشتغلون بعشوائية كما قد يُخيّل للبعض. إنهم يشتغلون باستراتيجية، وبمنهجية، وتستحق طرقهم أن تدرَّس لمن يريد أن يلتحق بحزب “الفساد المُعمَّم”!!

المثير في هذا الذي يجري أن النهب لم يعد فعلا معزولا، ولا صفقة تُمرر من تحت الطاولة، بل أصبح مشروعا يشتغل بمنطق التخطيط بعيد المدى،ويمارس سلطته من خلف الستار، أحيانا بتواطؤ صريح، وأحيانا أخرى بصمت ثقيل..

هذا “النموذج النهبوي الجديد” له هندسته المالية، حلفاؤه السياسيون، أدواته الإدارية، مستشاروه القانونيون، وغطاؤه الإعلامي، وخصوصا شهود الزور..

في ظل هذا الوضع المخطط له بعناية لم تعد الملايير تسرق من “الفائض” أو من “الهامش”، بل من قلب السياسات العمومية..

1330 مليار سنتيم دعم لمستوردي الأبقار والأغنام، دون أن يظهر لحم في الأسواق، ولا أن ينخفض سعر، ودون أن يتم الكشف عن المستفيدين، كما لو أن “اللائحة” تندرج ضمن الأسرار..

هذا الجدل الذي رافق هذا الملف وما تلاه من تصريحات، لابد أن يعود بنا إلى التقرير الذي أصدرته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، في عهد طيب الذكر رئيسها محمد الراشدي، فقد جاء ليمنحنا شيئا من المصداقية الرقمية لأسباب هذا الانهيار الأخلاقي.

تقرير الهيئة الأخير لسنة 2023 كشف بوضوح أن المغرب تراجع إلى الرتبة 97 عالمياً ضمن مؤشر مدركات الفساد، بعدما كان في الرتبة 73 سنة 2018.

خمس سنوات فقط، كانت كافية لندرك أن “النموذج النهبوي” يشتغل بكفاءة أعلى من أي نموذج آخر.

الهيئة كشفت أن 57% من المقاولات ترى أن إجراءات محاربة الفساد غير كافية، و75% منها لا تستطيع أن تسمي أي مؤسسة وطنية تُعنى بمكافحة الفساد، وكأن هذه المؤسسات تعمل في الخفاء، أو لعلها مجرد ديكور.

أما على مستوى التقارير الدولية، فقد خسر المغرب نقاطا ثمينة في مؤشرات استقلال القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية..

وإذا لم تكن هذه الأرقام كافية لإثارة القلق، فإن مؤشر “مخاطر البلدان” منح المغرب 46 نقطة فقط من أصل 100، حيث يصنف المغرب في المركز التاسع عربيا، مسجلا تراجعا كبيرا، مما يعني ببساطة أن جذور الفساد عميقة وأن الفساد مستقر ومحمِي..

لا يتوقف “النموذج النهبوي الجديد” عند النهب وحده، بل يمتد إلى تصفية كل من يُزعج هندسته الدقيقة.

فكل رئيس مؤسسة دستورية تجرأ على قول الحقيقة أو اقترب من منطقة النفوذ، يُنقَل أو يُعفى أو يُرسل سفيرا إلى حيث لا ضجيج.

والأمثلة عديدة، بداية من ادريس جطو (المجلس الأعلى للحسابات) مرورا بإدريس الكرواي (مجلس المنافسة) و أحمد الحليمي(المندوبية السامية للتخطيط) وأحمد الشامي( المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) وصولا إلى محمد الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة.
القاسم المشترك بين هؤلاء هو إحراج حكومة عزيز أخنوش، أما الخلاصة فهي أن من يزعج “النموذج النهبوي الجديد” سيتم إبعاده،سواء بلطف أو بخشونة، برسالة شكر أو دون حتى كلمة وداع، ومن يتكلم كثيرا، سيُبعد كثيرا، والمهم أن يبقى الصمت هو القاعدة..

لذلك، لا غرابة إن ظلت الفوارق تتسع، فصُنّاع “النموذج النهبوي الجديد”، يُخطّطون، يُشرعنون، ويتقدّمون بثقة نحو العشرين سنة المقبلة..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي