بين ركوع وهبي وسجود أخنوش.. السخرية تفسد لحظة روحانية!

عندما يتعلق الأمر بشخصيات عمومية، تصبح التفاصيل الصغيرة محط مجهر كبير.
وحين يُلاحظ المغاربة أن عبد اللطيف وهبي، وزير العدل،أو عزيز أخنوش، رئيس الحكومة لايركعان أو
لايسجدان بالشكل المألوف في الصلاة، فإن النقاش لا يتوقف عند حدود الفضول، بل ينفلت نحو أحكام مسبقة، ونوايا مفترضة، وسخرية لم تسلم منها حتى لحظة روحانية مثل ليلة القدر.

في الفيديوهات التي تم تداولها على نطاق واسع خلال إحياء ليلة القدر، بدا واضحا أن أخنوش ووهبي يواجهان صعوبة في تأدية الصلاة بشكل طبيعي بسبب مشاكل صحية يعرفها القريبون منهم، وقد تكون عادية في عمر معين، ولا تنقص من إيمان الشخص ولا من عبادته. ومع ذلك، انفجرت وسائل التواصل بالتعليقات الساخرة، بل القاسية، وتحوّل الأمر إلى حملة سخرية جماعية..

الصحة مسألة شخصية، والناس يتفاوتون في قدراتهم البدنية، والإسلام أجاز الصلاة جالسا لمن لا يستطيع القيام، بل حتى التيمم والاقتصار على النية في بعض الحالات. فلماذا نصنع من هذا الأمر سببا للتشكيك أو الإدانة!؟

الانتقاد السياسي حق مشروع، بل واجب حين يتعلق الأمر بالتقصير في المهام أو بتدبير الشأن العام، ويجب أن يكون قاسيا، فلا إشكال في ذلك، لكن أن يتحوّل جسد المسؤول إلى موضوع للسخرية، أو أن تُستعمل الصلاة كسلاح لتصفية الحسابات، فذاك انحراف خطير في النقاش العمومي.

بل إنه تظهر هنا مفارقة صارخة، كيف نُطالب بمسؤولين يحترمون المواطنين، بينما يتحول مشكل صحي إلى “دخول الصحة”، والسخرية، خصوصا وأن عديدين غرقوا في القذف والسب والسخرية..

من أخطر ما رافق هذا النقاش، هو محاولة البعض الحكم على نوايا وهبي وأخنوش، وكأننا نملك مفاتيح قلوبهم، ومفاتيح علاقتهم بالخالق، بينما لا أحد منهم يعلم حقيقة ما في القلب.

صحيح نحن في زمن الصورة،والظهور بجانب جلالة الملك في مناسبة دينية بحجم ليلة القدر له رمزيته. لكن هل يبرر ذلك أن نختزل الشخص في لحظة جسدية قد لا يتحكم فيها؟ وهل أصبح عجز شخص عن السجود مدخلا للسخرية منه أو اتهامه في دينه؟

نحاسب السياسيين على أدائهم، على وعودهم، على طريقة تسييرهم للقطاعات الحيوية، لكننا لا نحاسبهم على الركوع أو السجود، لأن العلاقة مع الله أكبر من عدسة كاميرا، وأعمق من لقطة عابرة.

المسؤول السياسي ليس معصوما، والصلاة لا تكتمل بالاستعراض، بل بالإخلاص، وما أحوجنا إلى نقاش عمومي ناضج، لا يضع النقد في هاوية التهكم، ولا يجعل من الجسد وسيلة للإدانة، ولا يضع النوايا تحت مجهر وسائل التواصل الاجتماعي..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي