نعيمة سميح..حين يترجل الصوت.. وترحل الأغنية”

في صباح بارد من صباحات الوطن الحزين، غابت نعيمة سميح، وانطفأ صوت ظل مشعا كقنديل مضيء في ليالي المغرب الطويلة. رحلت التي جعلت للحزن نغمة، وللشجن إيقاعا، وللفرح ملامح تختبئ خلف “ياك أجرحي” و“جريت وجريت”.

كان صوتها امتدادا لنبض الشوارع والأزقة، يخرج من درب السلطان ليعبر الأزمنة والمراحل..

نعيمة سميح لم تكن مجرد مطربة، بل كانت صوت المغرب، بكل ألوانه ولهجاته وطبقاته الاجتماعية.

كانت ذلك الصوت العميق الذي يختزن كل الحكايات، من فرح البسطاء إلى أنين القلوب التي لم تجد غير الغناء لتروي مآسيها. كانت تغني للناس وكأنها تعرفهم واحدا واحدا، تلمس جراحهم، وترمم آمالهم، وتمنحهم لحنا يعبر عنهم حين تعجز الكلمات.

نعيمة لم تكن فقط صوتا بل كانت حياة. غنت كما لم يغن أحد، لم ترفع صوتها يوما في غير اللحن، ولم تتعالى إلا حين كانت الموسيقى تطلب ذلك. لم تكن مغنية عابرة، ولا اسماً يستهلكه الزمن، كانت قيثارة هذا الوطن التي عزفت على وتر القلب، وبقيت خالدة رغم صمتها الطويل.

غاب الهلال الذي كان يضيء الليالي، وانطفأت شمعة كانت تحترق ليضيء الآخرون. في رحيلها، تركت خلفها إرثا لن يُمحى، وأغاني ستظل تسكن البيوت، تتردد في الحفلات، وتنطلق من مذياع سائق تاكسي أو من مقهى في حي شعبي.

اليوم، حين نرفع أعيننا نحو السماء، سنعرف أن هناك نغمة ناقصة، وحين نستمع إلى “أمري لله” سنشعر أنها لم تكن تغني عن نفسها، بل عن كل الذين قاوموا الزمن بصوتهم، وعبروا المحطات دون أن تبهت ملامحهم.

رحلت نعيمة سميح، لكن صوت المغرب الذي كان يسكنها، سيظل يسكننا جميعا..
رحلت نعيمة سميح، لكن صوتها سيبقى، مثلما تبقى الذكريات حين يغيب أصحابها..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي