فقد الشاعر الدكتور سالم بن محمد المالك ، المدير العام للايسيسكو ، والدته الأسبوع الماضي . وبهذه المناسبة الأليمة نظم مرثية بعنوان ( وغادرت يا أمي) تفيض حزنا ولوعة قال في تقديمها ” الأم خيرات الحياة، دعاؤها نهر يسقيك سحائب الأمـان ، و رضاها بحر يوصلك إلى شواطئ الرضوان ، و برها جسر يأخذك إلى فراديس الجنان.
كل الأحزان مهما عظمت، تصغر أمام حزني على رحيل أمي”
وفي مايلي النص الكامل لهذه القصيدة :
مُـكــذِّبـــــًا خـبـــــــرًا مُــزَلْـــــزلاً بّــــدَنــا
أُمَّـــــاهُ فلتســمعي الأنـّـــــــاتِ مُـتُّ أنــا
لا تــرحلـي يــا ضيـاء الكـونِ وابتــدعي
للـمــوتِ مـوتــــــًا بــلا فـقْــــدٍ يُــَروّْعــنــا
مـاذا أقــــولُ و قلـبــي صــار من لهــفٍ
دمـعـــًا تفجّــرَ في عيـنــــيّ و احتقنـــا
القلــبُ يبـكـي على دُنيـــــــاه إذ رحلــت
مَنْ كانت العيــنَ و الأشـواقَ و الحُضُنــا
و اليــوم إن حار عقــلٌ و انقضـت سُـبُلٌ
فإنــــه المــوتُ يطــوي السـهلَ و الحَزَنــا
هل غيَّـب المـوتُ أمــي أم تُـــراهُ صـدىً!!
و الحـقُّ إن جــــاء لا دارَى و لا ارتهنـــا
كـلّْ الجــوارحِ أنّــت و اعتـرت ســـــهري
خواطـــرٌ تسـتثـيـــرُ البــــوحَ و الشّجَـنــا
و العـاصفـــــاتُ تهــاوت حين قيــلَ لنـــا
بأن قُـدوتَــنـــــــا قـد أُلـبِـســـــــت كَفَـنــا
تـزلـــزلــــــت كـلُّ أرضٍ في نــواظـرنـــــا
و غابـت الشــمـسُ و اشـــتدّ الظلامُ بنــا
لكنهـــا مُـرســــــــــلاتُ الـلـــــهِ مُقبلــــةً
جاءتــكِ باســمـــــــةً وافــت بـك الـزّمَـنــا
و النـاشــــطــاتُ بـرفـــقٍ ثــمّ في عجَــلٍ
طافــت بـروحِـك فى الفـردوسِ حين دَنـــا
بكيــتُ من حـرقــــةٍ فـرقـــــاكِ والــدتــي
تـاهـت خطــــايَ فمـا تـدري لهــا مُـدنــا
فعشـــتُ فقْــــدَ رضيــــــــعٍ أُمّــهُ فبـكــــا
ولاتَ أمٌّ لــــــــهُ.. إنّ الحيــــــــــاةَ ضنـى
أُســـائلُ النـفـــسَ و الـذكـرى تُســألـني
و صوتُــكِ العـذْبُ همسـًا يـمنـعُ الوسَـنــا
و الـذكـريـــــاتُ مــلأنَ الــــدارَ من ألــــمٍ
تحِـنُّ حُـزْنــــــــًا على مـن حــازتِ المِنـنــا
و القبـــرُ هـلَّ بـنــــورِ الـلــــــهِ في جــذَلٍ
و قــام يســــــألُ : مـن في لَـحْـدِه دُفِنــا؟
فقيــل هـذي هيا بنتُ الجعيــب ســـنـــًا
فارتـــــجَّ مـن رهــبــــــــــةٍ لـكنــــه أمِـنـــا
و قــال لـي لحـدُك الوضــــــــاءَ في فـرحٍ
كم كنـت أرنـــــو لألقــى مثلَهـــــــا بـدنــا
يــا قبـــرَ حوريــــــةٍ في لـحـدِه اجتمعـت
حــورُ المكــــــارمِ و الأخــــــلاقِ فاتَّــزنـــا
يـــا قبـــرَ ميـمــونــــــةٍ حلّــت بـروضتـــــهِ
أمُّ اليـتـــــامــى و أمُّ الجـــــودِ: مـا وهَنــا
يـــا قبـــرَ محبـوبــــةٍ جاءتـــه راضيـــــــةً
فضـــاءَ بالنــــــور ِلـمّـــا لامــسَ البـدنـــا
يـــا قبـــرُ قل لـقبـــورِ المحســــنينَ: هُنـــا
حلَّـــت مُكـــرّمــــــــــةً أمٌّ لَــهُـــــم و لَـنـــا
و أنهـــا الغيــثُ إن حلّـــت و إن رحلَــــت
و أنهـــا الخيـــرُ كفــًا شـــابهـت مُـزنـــا
إنّ الصفــــــــاتِ لتحلــو حيـن تــذكُرهـــا
و تكتسي الحُسنَ و الإحسانَ و الحَسَنـا
رحلتِ أمّـــــــاهُ و الأيـــــــامُ شـــــاهـدةٌ
علـى رجـاحــــــةِ عـقْـــلٍ منــــك زيّـنــنــا
رحلــتِ أمّــــــــاهُ و الآنــــــامُ بــاكيــــــةٌ
تُغـالـــب الشـــوقَ و الأنـّـــاتِ و الحُزُنــا
رحلــتِ أمّـــــاهُ و الآمــــــالُ صــادحــةٌ
بأن خطـوَك في الجـنـــــاتِ حــاز مُنَـى
فصــار يبكيــــكِ قــــومٌ ليـس يـعـرِفُهــم
مِنّـــا ســــواكِ فبـــانَ الجـــودُ مُؤتَمَــنــا
ذكـــــراكِ بــاقيـــــــــةٌ في كل بــارقــــةٍ
إنْ غِبـتِ تبقى السجايـــا دائــمًا معَنـــا
و منــكِ أبــقى قريـبـــــًا.. لا أَغـيــبُ ولا
يغيـبُ طيـْــــفُ حنـــــــانٍ منــكِ رافَقَنـــا
أرثـيـــــكِ أمـٌي بشِــعْـرٍ كــم يُــــؤرقُني
فليس فى الشعرِ وصفٌ من سـناكِ دَنــا
أرثـيــــكِ أمـي و دمعـي بـاتَ محْبــَرتي
و نَــــوْحُ قلـبـي لا اســتخـفى و لا رَكَنــا
أرثيـــكِ أمـي .. فما ننســــاكِ يــا قمـــرًا
أضـــــاءَ دُنـيـــًا فلم نَشـهدْ بها الدُّجنـــا
فيـــا إلـهــــي و يــا مـن أنـت خـالـقُنـــا
اِجعــلْ لهــا كنـفَ الفـردوسِ مُحتضنـــا
و اغــدقْ عليهــا من الرحمـــاتِ اشملهـا
و اكتـب لهــا الفــوزَ لا ذنبــًا و لا دَرَنـــا
و اكتــب لقلبــيَ صبــــرًا أســـتعين بـه
أمــــام خلـقِــــك…لا ضعْفــًا و لا وَهَنــا
لو كـان فى المــوتِ من يَفْـــدِي بمهجتِــهِ
لكنـتُ يــا نـــــورَ عينــي أفـتــديــكِ أنـــا
فـإن رَثيـْـتُ فصــوتـي لـســـتُ أُدركُــــــهُ
كأننـــي تـائـــــــهٌ قـد ضيّـــــعَ الوطـنــــا
و إن أكـــذّبَ أنّ المـــوتَ أدركَــهــــــــــــا
ظلمـتُ حقـــًا و حـاشـــا أُنكـر السُـننــا
فكــلُّ نفـــــسٍ لأمْـــــرِ الـلـــــــهِ ذائـــقةٌ
فليـس يبـقـى ســوى الرحمــنِ دونَ فَنـا
لـو خيـّـــــرونــي ببـيـــتٍ لـي فأسـكُنـــهُ
لاختــرتُ قبــــرَكِ يـــا أمّـــاهُ لـي سَـكَنـا
شعر: د.سالم بن محمد المالك
٢٢-٠٧-١٤٤٦هـ
٢٢-٠١-٢٠٢٥م
تعليقات ( 0 )