صورة الإسلام في المقررات الدراسية الغربية بين التشويه والتخويف

ترتكز مناهج التربية والتعليم في الدول الغربية الأوروبية والأمريكية على نظم علمانية غير دينية حيث لا يتم تدريس الدين في المدارس الحكومية وذلك استنادا إلى قرار إلغاء مادة التربية الدينية في إطار تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة في معظم الدول الغربية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وعلى هذا الأساس أصبح الدين شأنا داخليا للمواطن الغربي ،ومن ثم فإن الأسرة هي التي تقوم بمهمة التربية الدينية وليس المدرسة. وتبعا لذلك تكاد تخلو المناهج والمقررات الدراسية في الغرب من مادة تدريس الأديان حيث تتم الإشارة فقط إلى تاريخ الأديان في كتب التاريخ المدرسية.
ويلاحظ في كثير من  كتب التاريخ المدرسية في الغرب أن سرد الأحداث التاريخية لا يتم بتتابعها التاريخي في كل دولة على حدة، بل يتم سرد هذه الأحداث من خلال موضوعات وقضايا محورية في الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام. كما يتم التركيز على الأحداث التاريخية التي كان لها تأثير على حياة الشعوب في الغرب، وفي المقابل تم إغفال الإشارة إلى الأحداث التاريخية المهمة في دول الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا لأن الاهتمام كله منصب على أوربا وأمريكا وتاريخهما القديم والحديث. ومما لاشك فيه أن مؤلفي الكتب المدرسية الغربية، في تناولهم لموضوع الإسلام وحضارته، كانوا متأثرين بما درسوه بدورهم في طفولتهم عن الإسلام والمسلمين في كتب التاريخ الغربية التي أعدها جيل سابق من خبراء التربية والتعليم في الغرب والتي استقت معلوماتها من دوائر وموسوعات المستشرقين المتعصبين ضد الإسلام والحضارة الإسلامية. وبذلك ظل تشويه صورة الإسلام والمسلمين معرفة تتناقلها الأجيال عبر وسائط متعددة بدءا من كتب التاريخ في مختلف مراحل التعليم.
 
مكونات صورة الإسلام والمسلمين في المقررات والكتب المدرسية في الغرب
تعد المقررات والكتب المدرسية المرتبطة بمادة التاريخ المجال الأكثر تناولا لصورة الإسلام والمسلمين. وبمراجعة مناهج التاريخ المدرسية الغرب، للبحث عما ذكرته عن تاريخ الآخر عامة وتاريخ العرب والمسلمين خاصة، استنتج الباحثون الذين اهتموا بهذا الموضوع أن معظم الدول الغربية تشيد بتاريخها المجيد وتندد بتاريخ الآخر وتشوهه عمدا أو بدون عمد. وأجمعوا على اعتبار هذه الظاهرة خطيرة وأطلقوا عليها مصطلح Eurocentrisme أي المحورية العرقية الأوربية التي تجعل من أوربا محور العالم والثقافة والتاريخ وتهمش تاريخ الشعوب الأخرى ومن ضمنها الشعوب الإسلامية.
وتعد ظاهرة “تهميش الآخر” نوع من رفض “الآخر” أي الإنسان المسلم والحضارة الإسلامية المختلفان عن الإنسان الغربي الأوربي وحضارته، وعدم قبول التعرف عليهما وعلى مكوناتهما وعلى دورهما في تاريخ وحضارة الإنسانية. وتعكس هذه اللامبالاة واحتقار تاريخ وحضارة الآخر، خاصة تاريخ الإسلام والمسلمين، الرفض الواعي المتعمد أو غير الواعي للآخر. وقد حرص الأوربيون منذ العصور الوسطى وعبر الأجيال على تصوير الآخر، أي المسلم وكل ما يتعلق به، بأسلوب منفر بقصد تشويه صورته حتى يخاف منه الطلاب أول لقاء لهم مع الإسلام والمسلمين على صفحات كتب التاريخ المدرسية، لينضاف ذلك إلى ما تروجه برامج وسائل الإعلام الموجهة إلى الأطفال من رسوم متحركة ذات المضامين المحتقرة للإنسان المسلم وحضارته وقيمه الدينية والثقافية.
وبالرغم من أن المناهج الدراسية الأوروبية تحاول الحفاظ بقدر الإمكان على العلاقات الدبلوماسية الموجودة بينها وبين الدول الإسلامية منذ بداية القرن الماضي، ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية التي تربط بين الدول والتي تنص على احترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في جميع أنحاء العالم، فإن الصورة التي تقدمها معظم هذه المناهج عن الإسلام والمسلمين لا تزال مشوهة وعالقا بها كثير من الشوائب والمغالطات المتعمدة، وكثير من النواقص وعدم الاهتمام بالجوهر والتركيز على الأنماط المتكررة والأفكار المتوارثة.
ويمكن تحديد مكونات صورة الإسلام والمسلمين في المقررات والكتب المدرسية في الدول الأوربية من خلال بعض القضايا المحورية التي تم التركيز عليها في هذه المقررات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المحاور المتعلقة بالقرآن الكريم وشخصية الرسول الكريم، والحضارة العربية الإسلامية، وفضل العلماء العرب المسلمين على النهضة الأوربية، والقوالب النمطية للمسلمين.
 
القرآن الكريم وشخصية الرسول الكريم:
تقدم المقررات والكتب المدرسية في الغرب شخصية رسولنا الكريم  في صور متعددة فهو إما «رسول شاعر ملهم يرى رؤيا خارقة»، أو «شخصية مستبدة برأيها»، أو «فقيرا معدما لم يشعر بالأمن إلا بعد زواجه من سيدة ثرية جدا تكبره بكثير».ك ما تدعي بعض هذه الكتب المدرسية أن الرسول الكريم   قد «التقى باليهود والنصارى وخاصة الأحبار والرهبان فتعلم منهم وأخذ الكثير من المعلومات من التوراة والإنجيل وأدخلها في كتاب القرآن». وتزعم كتب مدرسية فرنسية أن رسولنا الكريم  «رأى رؤيا جعلته يعمل بالتبشير بالرب الواحد، ولما أخرج من مكة ظل مشغولا باسترجاعها فلجأ إلى العنف والجهاد وتمكن بفضل فئة في قيادة الجماعات إلى توحيد الضالين الذين زرع فيهم روح التعصب ووعدهم بالجنة إذا ماتوا في سبيل الحرب المقدسة أي الجهاد».
وفي كتاب التاريخ للصف الأول الثانوي الصادر عن مطابع هاتييه (Hatier)، جاء ذكر القرآن الكريم رسولنا الكريم  في الفصل الخاص بعرض الحضارة الإسلامية حيث ورد في الفقرة الأولى شرح للرسالة المحمدية على النحو التالي: “محمد بالنسبة للمسلمين هو الرسول الأخير والوحيد الضروري من بين كل الأنبياء”. كما يتضمن هذا الكتاب فقرة مأخوذة من مؤلف بعنوان “ترجمة القرآن”، لأحد القساوسة الإفرنج ذوي النفوذ الديني المشهورين في القرن الثاني عشر ميلادي والمسمى (Pierre le vénérable) يقول فيها: «لنعطي للغلطة المحمدية الاسم المخجل هستيريا أو الاسم المقزز الوثنية ويجب العمل ضدها أي أن تكتب ضدها، ولكن اللاتينيون لا يعرفون سوى لغة بلدهم الأصلي لذلك لم يعرفوا فظاعة هذه الغلطة ولا كيف يسدون الطريق أمامها. لذا ذهبت أبحث عن مختصين باللغة العربية التي جعلت هذا السم القاتل يعيث الفساد في أكثر من نصف العالم، وأقنعتهم بصلواتي وبابتهالاتي وبالأموال أن يقوموا بالترجمة من العربية إلى اللاتينية لتاريخ وعقيدة وقانون هذا التعس الذي يطلقون عليه القرآن».
ومما لا شك فيه أن الطالب الغربي غير المسلم سيختزن في ذاكرته صورة سلبية عن رسولنا الكريم الذي قدم إلى هذا الطالب بنعوت وأوصاف يتمتزج فيها الاستبداد بالسحر والعنف والجهاد والتعصب والدهاء. كما أن هذا الطالب الذي يقرأ ما كتبه أحد القساوسة في القرن الثاني عشر عن القرآن الكريم لن يتذكر السياق التاريخي الذي كتب فيه هذا الكلام حيث كان المسيحيون يعتبرون رسولنا الكريم   أكبر عدو للكنيسة الكاثولوكية، وإنما سيظل عالقا بذهنه أن دين الإسلام “هستيريا ووثنية” وأن القرآن الكريم “سم قاتل”.
ومما يثير الدهشة أن المقررات والكتب المدرسية في أوربا حين تتحدث عن انتشار المسيحية وحياة المسيح تقدمها وكأنها وقائع تاريخية ثابتة لا تقبل التأويل وذلك باستخدام صبغة التأكيد وعرضها بالصورة الملونة والخرائط والرسوم. بينما تستخدم صيغة فعل الشك (conditionnel) حين تتحدث عن رسولنا الكريم، وأحيانا أخرى يتم استخدام تعبيرات تدعو للشك والتساؤل مثل “يبدو أن” أو “قد يكون” أو “حسب ادعائه”.
ولا يخفى أن الهدف من وراء ذلك هو زرع الشك والبلبة في نفوس الطلبة حول مصداقية رسولنا الكريم  . كما لا تخفى الدوافع والمرامي التي جعلت دولة أوربية، مثل فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحرية والعدالة، لا تزال في القرن الحادي والعشرين تدرس لأبنائها في المدارس الحكومية أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام  هو الذي ألف القرآن، وأنه ارتكز في دعوته على مجرد رؤيا وأحلام، وهي اقتراحات تتنافى مع معتقدات المسلمين ومنهم طلاب فرنسيون مسلمون يتلقون هذه المعلومات الخاطئة. وهو اعتداء شنيع على معتقداتهم الدينية التي يتم تشويهها علنا ورسميا في كتب التاريخ المدرسية. فأين حقوق الإنسان المسلم الفرنسي أو الأوربي؟ وأين احترام عقيدته وكتابه المقدس ونبيه المرسل؟
 
الحضارة العربية الإسلامية
في معظم كتب التاريخ المدرسية الأوربية يتم عرض الحضارة العربية الإسلامية بأسلوب غير مباشر من خلال عرض حضارة البحر الأبيض المتوسط أو من خلال عرض تأثر العلماء الأوربيين بالعلماء العرب المسلمين في الأندلس وصقلية بأسلوب فيه نوع من الالتواء، حيث يتم التركيز والإشادة بالحضارة المتوسطية والإشادة بالعلماء المسيحيين وبالفنون المعمارية المسيحية، ومن تم يصبح المحور الأساس هو تألق الحضارة المتوسطية وليس الحضارة العربية الإسلامية. كما يتم اعتبار الحضارة الإسلامية حضارة ميتة، ومندثرة بعدما كانت متألقة في القرون الوسطى.
ويعتبر كتاب هاتييه (Hatier) للصف الأول الثانوي في فرنسا من أكثر الكتب المدرسية في أوربا اهتماما بموضوع الحضارة الإسلامية حيث أفرد لها فصلا من أربع صفحات بعنوان “الإسلام حضارة متألقة متعددة سياسيا”. ولكن القارئ يكتشف في متن النص أن الحديث يدور حول انهيار الحضارة الإسلامية حيث ورد أن “الامبراطورية الإسلامية التي كانت تسيطر على أغلب مناطق البحر الأبيض المتوسط، ضعفت وانقسمت في القرن الثاني عشر”.
وفي الكتاب المدرسي الذي خصصه الناشر هاتيبه (Hatier) الفرنسي للصف الثالث الإعدادي فقد تم عرض الحضارة الإسلامية في حيز أضيق وبأسلوب غير مباشر إذ أدمجها في الحضارة البيزنطية في الفصل المخصص لتاريخ العالم القديم تحت عنوان “بيزنطة والإسلام” وهذا الإدماج غير الصحيح يجعل التلميذ يقتنع بأن الحضارتين البيزنطية والإسلامية كانتا متألقتين في الماضي، ولكنهما انهارتا واندثرت معالمهما.
 
تجاهل فضل العلماء العرب المسلمين على النهضة الأوربية
بالرغم من أن بعض المقررات والكتب المدرسية الأوربية خاصة في إسبانيا وانجلترا وإيطاليا تذكر أسماء العلماء العرب المسلمين في إطار الحديث عن تألق الحضارة والعلوم في منطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة في الأندلس وصقلية، إلا أن معظم هذه الكتب تتفاوت في عرض دور العلماء العرب والمسلمين في قيام النهضة الأوربية، حيث إن بعضها اكتفى بذكر أسماء العلماء العرب المسلمين فقط دون التفصيل في إبراز أهمية اكتشافاتهم واختراعاتهم ودورها في انبثاق الحضارة الأوربية في عصر النهضة. وتوجد بعض الاستثناءات منها على سبيل المثال كتاب بورداس Bordas الذي ذكر أنه “في القرون الوسطى كانت علوم الطب والرياضيات والجغرافيا وعلم الفلك متقدمة عند المسلمين بالنسبة لما كان موجودا في أوربا الغربية، وكتاب بالين (Balène) الذي ذكر تأثر اللغة الفرنسية باللغة العربية معتبرا ذلك إضافة أغنى العرب المسلمون بها الثقافة الفرنسية مشيرا إلى أن “هناك بعض الكلمات الفرنسية من أصل عربي مثل مخزن، أميرال، أرابيسك، وكذلك بعض الاختراعات انبثقت من الحضارة العربية الإسلامية مثل الجبر والأرقام والصفر…”
ومن أبرز الكتب المدرسية تجاهلا لفضل العرب المسلمين على الحضارة الأوربية كتاب هاتييه (Hatier) الفرنسي للصف الأول الثانوي الذي ،بدلا من الإشادة بالحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية ودورها في ازدهار الفنون والعلوم في منطقة البحر الأبيض المتوسط في القرن الخامس عشر ميلادي، اكتفى بسرد مظاهر تأثر العمارة الأوربية وبناء القصور والكنائس بالأسلوب البيزنطي الإسلامي دون التمييز بينهما.
وبالرغم من أن مؤلفي الكتاب وضعوا أحد الفقرات تحت عنوان “ما أخذته الثقافة الغربية عن العرب”، إلا أن ما قدموه من معلومات لا يعد اعترافا بفضل العرب على الثقافة الأوربية، بل بالعكس قلل واضعو هذا الكتاب المدرسي من شأن الفيلسوف والعالم المسلم ابن رشد واعتبروه ناقلا لفلسفة أرسطو مؤكدين أن “الفكر الإسلامي ظل حتى القرن الثاني عشر ينهل ويتغذى من معطيات الفلسفة والقانون الإغريقي، وهكذا قام ابن رشد بالتعليق على أرسطو واقترح قراءة جديدة للإسلام”.
ويمكن القول إجمالا بأن معظم الكتب المدرسية الأوربية المتعلقة بمادة التاريخ قد اهتمت أكثر بعرض النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر وازدهار العلوم والفنون في أروبا. ففي كتاب هاتبيه (Hatier) المذكور سلفا خصص مؤلفوه لموضوع النهضة الأوربية 38 صفحة بينما لم يخصصوا سوى أربع صفحات فقط للحضارة الإسلامية، كما جاء ذكر العلماء الأوربيين في المجالات العلمية، ولكن لم تتم الإشارة إلى تأثرهم بالعلماء العرب المسلمين، بل تمت الإشارة فقط إلى العلماء الإغريق أمثال هيبوقراط، وجاليان في الطب وأرسطو في الفيزياء.
وبالرغم أنه من الثابت تاريخيا في جميع الموسوعات العلمية أن الأطباء الأوربيين الذين اشتهروا في عصر النهضة في القرن الخامس عشر قد نقلوا الكثير عن الأطباء العرب أمثال ابن رشد وابن النفيس وغيرهما، فإن الكتب المدرسية الغربية في أوربا وأمريكا تنسب اكتشافات العلماء العرب المسلمين إلى غيرهم من العلماء الأوربيين، بل لازال الاعتقاد سائدا في الغرب إلى اليوم بإن الإنجليزي روجيه بيكون (1214-1294) هو صاحب المنهج العلمي التجريبي، بينما الحقيقة هي أن جابر بن حيان قد استخدم قبله هذا المنهج منذ القرن التاسع الميلادي.
وسواء أكانت الكتب المدرسية الأوروبية لم تذكر فضل العلماء العرب المسلمين على الحضارة الأوربية عن قصد أو عن دون قصد، فإن مؤلفي هذه الكتب المدرسية قد أثبتوا من أنهم يتجاهلون الآخر أي يتجاهلون الإسلام وحضارته العريقة وإسهامات العلماء المسلمين في بناء الحضارة الأوربية والحضارة الإنسانية بصفة عامة.
 
القوالب النمطية للشخصية المسلمة من خلال الكتب المدرسية في الغرب
تبدو ملامح الشخصية المسلمة في الكتب المدرسية في أوربا في قالب نمطي مشوه يتم من خلاله تقديم المسلمين لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية في صورة غزاة معتدين مدججين بالسيوف الثقيلة ينشرون الرعب أين ما حلوا وارتحلوا أو في صورة أشرار غلاظ يسرقون وينهبون وينشرون الفساد. وفي كتب التاريخ المدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية تختلف القوالب النمطية قليلا عن صورة المسلمين الغزاة المعتدين حيث يتم تصويرهم في قوالب أخرى تنعت العربي المسلم بالشرير مقابل راعي البقر الطيب الذين يمثله المواطن الأمريكي. وهكذا يمثل المسلمون في هذه الكتب رمزا للشر وهم عادة من العرب الذين يرتدون العباءة والكوفية من شيوخ وأثرياء يتسببون في ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية ويشكلون خطرا على الغرب وهم “أعداء العالم مثيرو الحروب ويكرهون المسيحيين”.
وبخصوص الصور النمطية للمسلمين والعرب داخل مناهج التعليم الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز (ADC) مجموعة من الصور النمطية السلبية السائدة كذلك في أوساط المجتمع الأمريكي، وتنقسم هذه الصور النمطية إلى المجموعات التالية:

  • صور نمطية عن العرب تنعتهم براكبي جمال وعبيد الرمال، وأن كل المسلمين عرب مع استعمال مكثف لمفردات القبيلة، والبدو، والواحة والصحراء، والحريم والشيخ.
  • صور نمطية عن العالم العربي على أنه “ساحة تنافس يعيش فيها الأبطال الغربيون مغامرات مثيرة في عالم قصص ألف ليلة وليلة والجنيات والبساط السحري.
  • صور نمطية عن المسلمين على أنهم “سفاحون وإرهابيون ومحاربون متطرفون ومغتصبون ومضطهدون للمرأة، ويعتنقون الجهاد والحرب المقدسة”.
  • صور نمطية عن الرجل العربي الذين ينظرون إليه على أنه شبح بترول، وثري جدا، مسرف ويريد شراء الولايات المتحدة الأمريكية بماله، قذر، وغير متعلم، غير أمين دكتاتوري…”.
  • صور نمطية عن العرب الصالحين، وينظر إليهم على “أنهم شخصيات ثانوية سلبيون مقارنة مع الأبطال الغربيين”.
  • صور نمطية عن المرأة العربية المسلمة التي ينظر إليها على “أنها مضطهدة من الرجال العرب المسلمين”، وتقديمها في إطار “حريم مترفات وراقصات عاريات أو سيدات جميلات يقعن في حب الرجل الغربي الذين ينقذهن من شر الرجل العربي المسلم”.

وإجمالا فإن القوالب النمطية عن المسلمين لازالت تشكل النقطة السوداء في معظم الكتب والمقررات المدرسية في الدول الأوربية والأمريكية ،غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأوربي يهتم كثيرا بقضية القوالب النمطية في المناهج الدراسية حيث أصدر عدة توصيات بخصوص ضرورة تصحيح هذه القوالب. وتبعا لذلك قامت حكومات بعض الدول الأوربية بإصدار توجيهات للتربويين المسؤولين عن إعداد المناهج الدراسية بهذا الخصوص، مثلما حدث في إيطاليا حيث تم عام 2003 تعديل المناهج والمقررات الدراسية، بناء على توصيات وزارة التربية والتعليم وتطبيقا لمبدأ “تجنب القوالب النمطية والأفكار المسبقة بالنسبة للأشخاص والثقافات”.
ومن المرجح أن أسباب انتشار هذه المفاهيم الخاطئة في الكتب والمقررات الدراسية في الغرب حول الإسلام والمسلمين ورموزهم الدينية المقدسة وحضارتهم العريقة ناتج عن أحكام مسبقة ترتبط ارتباطا وثيقا بالحروب الصليبية وتاريخ الامبراطورية العثمانية والدراسات الاستشراقية والحروب الاستعمارية مع بداية القرن العشرين والحملات الإعلامية الموجهة ضد الثقافة العربية الإسلامية والمدبرة تخطيطا وتنفيذا وتمويلا من طرف أحزاب وتيارات يمينية متطرفة في المجتمعات الغربية.
ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي يتحمل بدوره جانبا من المسؤولية في انتشار هذه المفاهيم الخاطئة في الكتب والمقررات الدراسية في الغرب عن الإسلام، ويتمثل ذلك في تقاعس المسؤولين ورجال الفكر والإعلام في العالم الإسلامي عن تكثيف الجهود وتوحيدها لبناء خطة عمل محكمة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المهتمة بشؤون التربية والثقافة ومخاطبة العالم الغربي بمنطقه وبلغته وأسلوب تفكيره المستند إلى مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي واحترام الآخر، لإقناعه بأن عدم الاهتمام بتصحيح الأخطاء التي تشوه صورة العرب والمسلمين والإسلام في الكتب المدرسية من شأنه أن يسهم في استمرار أجيال متشبعة بالعنصرية واحتقار الآخر، مما يهدد السلام والأمن العالمي ويشيع الخوف وعدم الثقة وانعدام الفهم والتفاهم بين شعوب العالم. كما أن الجرائم الفظيعة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية المتطرفة داخل العالم الإسلامي وفي كثير من الدول الغربية بدعوى باطلة هي الدفاع عن الإسلام والسعي لتطبيق شريعته أضحت سببا رئيسا في  تكريس الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين لدى الرأي العام الغربي مما أدى إلى انتشار متزايد لظاهرة الخوف من الإسلام ، واستغلال أحزاب اليمين المتطرف لهذه الحالة في السعي لتحقيق أجندات سياسية وانتخابية من خلال الدعوة إلى طرد المسلمين من المجتمعات الغربية والتضييق عليهم بممارسة الكراهية والتمييز العنصري في حقهم في تناقض صارخ مع التشريعات والقوانين المحلية والدولية الضامنة للحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية للأقليات الدينية.
 
 

د. المحجوب بنسعيد

باحث  في علوم الاتصال والحوار الثقافي

الرباط . المغرب

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي