أنت عضو في ديوان وزير، إذن أنت مهم وذو حظوة وصاحب راتب مهم. لكن الأهم أن تكون من ذوي الخبرة والمعرفة بشؤون القطاع الوزاري الذي ستشتغل فيه كمستشار بديوان ذلك الوزير الذي تم اختيارك، حزبيا، لدعمه بالنصيحة والرأي المهني المختص. عليك أن لا تتدخل في اختصاصات المديريات وتركز على دعم وزيرك بالرأي السديد وأن تسخر كفاءتك، إن كانت تتناسب مع القطاع الذي يدخل في مهام الوزير، وتدخل ضمن اختصاصاته.
يعتبر ديوان الوزير مؤسسة يفترض أن يخضع تكوينها لمقياس الكفاءة أولا والولاء لحزب الوزير أخيرا. يجب على كل وزير معين أن يضع قواعد تدبير القطاع الذي أوكل إليه بكثير من العلم والتجربة والخبرات. ويفترض، حسب تقاليد الممارسات السياسية الفضلى، أن يتوفر الوزير على هامش كبير من الحرية في إختيار من سيعينه، مهنيا، على اتخاذ قرار وقرارات في قضايا مهمة وذات ثقل على التدبير السياسي. ويعتبر اختيار عضو في ديوان وزير قرارا يضمن الحصول على استشارات مهنية ومختصة وثقيلة بالخبرات في ميدان تدخل الوزارة. ويذهب النظام السياسي الأمريكي إلى اعتبار ” كتاب الدولة ” أعضاء في ديوان الرئيس. تعتبر عضوية في ديوان وزير في كثير من الدول النامية، مؤسساتيا واقتصاديا، مدخلات إلى طريق تؤدي بعضو الديوان إلى مهام سياسية كبرى.
يمكن لكل مهتم بالعلوم السياسية أن يدرس مهام مؤسسة ” ديوان الوزير” مستعملا كل مناهج التحليل العلمية الممكنة والمتاحة. سيجد نفسه مضطرا إلى اللجوء إلى قواعد التحليل النفسي والسوسيولوجي وحتى السلوكي لفهم آليات التعيين في الدواوين الوزارية وما يرتبط بها من مصالح وعلاقات اجتماعية، وحتى عاطفية، ليصل إلى رسم خارطة واقعية لممارسة السياسة من خلال الدواوين الوزارية. قال أحد الوزراء أنه خضع لأكبر امتحان بعد تعيينه. لم يكن هذا الضغط من طرف سلطات عليا او من رئاسة الحكومة. قالت قيادة الحزب في تعدديتها أنه يجب تعيين فلان وعلان، وبالطبع “علانة”، لأنهم أبناء الحزب وكثير منهم ضحى بمساره الدراسي من أجل إنجاح محطات سياسية حزبية خلال الانتخابات .
يدخل الوزير المعين، في بلادنا ،لمكتبه في الوزارة رفقة عدد مهم من مستشاريه من غير الخبراء. تبدأ سلسلة الاجتماعات مع الأقسام والمديريات ويبدأ معها انتشار ضباب كثيف يخيم على العقول ويدفع الوزير الجديد إلى اعتبار، من تم فرضهم حزبيا أو من ذوي القربى من غير المساكين، غرباء على ميدان يحتاج إلى علم وخبرة وكفاءة. وقع كثير من الوزراء ضحية لضعف أعضاء دواوينهم. يتذكر الكثير من كبار موظفي عدة وزارات حكايات عن تمسك بعض الوزراء بتوصيات دواوينهم في الصبح والتراجع عنها في المساء. ويعلم الكثير من المدراء مسبقا ما سيقع لوزير فضل التحكم، عبر ديوانه، في ملفات وشؤون الوزارة. ستستفيد من مخصصات مالية وتعويضات وسيارة خدمة، وحبذا لو كنت مفيدا لا مستفيدا فقط.
ارتأى أحد وزراء المالية أن يتصرف اعضاء في ديوانه في ملفات المديريات ودراسة مذكرات كتبها مختصون. تراجع المدراء أمام قرار الوزير وطبقوا تعليماته حرفيا، وتركوا لخبراء الديوان التقرير فيما ليس لهم به علم . وجد الوزير نفسه، بعد فترة، أمام جبل من ملفات التوقيع تهم الاستثمار والضرائب والدين الخارجي والداخلي وميزان الاداءات وسياسة الصرف وتدبير سعر الفائدة وملفات الضمان وتمويل أصحاب رخص الصيد في أعالي البحار وتدبير ممتلكات الدولة والحسم في قضايا المؤسسات العمومية، ثم فطن إلى أن الديوان مؤسسة لا يمكن أن تلعب دور المديريات التي تضم الخبرات. وقرر هذا الوزير أن يلجأ إلى إقناع بعض أطر الوزارة، من ذوى الخبرة والتجربة، بضرورة الالتحاق بديوانه. يتذكر بعض المديرين يوم أعترف، هذا الوزير، بكونه يتعلم الكثير عبر قراءة مذكرات موظفي الوزارة. وكانت العادة تقتضي أن تكون آخر جملة في التوصية التي تتضمنها المذكرة، ” يقترح على السيد الوزير، ورأيه هو الأحسن، أن يصادق على….”. يتذكر بعض المسؤولين كيف ضحك الوزير ونفى أن يكون له رأي أحسن من أطر الوزارة كل حسب اختصاصه.
تظل كثير من الوزارات عصية على دواوين الوزراء. وقد دفع هذا الوضع إلى تكليف الملحقين بالدواوين بمهام الاتصال بوسائل الإعلام وقضاء حاجات الأحباب والأصحاب والمناضلين والمؤثرين في القرار الحزبي، وحتى في المقررين في مستقبل أصحاب القرار الحزبي. يصعب على وزير، عين حديثا، أن يصمد أمام دينصورات حزبه الذين لم يسبق أن تسلموا بطاقته. تظل الكثير من الوزارات تعاني من تسلط دواوين الوزراء على مجالات لا يفقهون عمقها وتأثيراتها على الدولة والاقتصاد وحتى على معيشة المواطنين.
ولا زالت وزارات “السيادة” عصية على طالبي اللجوء إليها. ولا يمكن أن يتصور العاقل دخول الجاهل في مجال الدبلوماسية والداخلية والتعمير لمجرد أنه عضو في قيادة حزبية. نسي بعض الوزراء أن أعضاء الديوان لا يحق لهم، بحكم القانون، أن يتدخلوا في مهام واختصاصات تدبير الوزارة، فكانت الأخطاء ذات ثقل على تقييم عمل الوزير. توجد أمثلة كثيرة يمكن أن تشكل مصدر إلهام لصناع الفرجة. أعضاء ديوان، يجهلون الكثير من متطلبات واختصاصات وزيرهم، تسببوا في صنع نكاث كثيرة اضحكت الموظفين ومن اطلعوا عليها. تعتبر مؤسسة ديوان الوزير اساسية في تنزيل البرامج السياسية، وتتطلب تطعيمها بالأطر المتخصصة وذات القدرة على تقديم المشورة المهنية والمتخصصة للوزير.
يمكن القول أن تدهور الحالة التنظيمية لكل الأحزاب تعكسها دواوين الوزارات التي أسندت لهم. ويظل صاحب التأثير على القرار موظف كفئ يسهر على إعداد ملفاته بكثير من المهنية. ويرجى عدم مقارنة تجربة بلادنا بدول أخرى في مجال ” عضوية الدواوين الوزارية” وذلك لسبب واحد يتمثل في كون هذه المؤسسة مرحلة في الحياة المهنية والسياسية لمسؤولين مرموقين في تلك الدول. والقانون المقارن والممارسات الدستورية على ما أقول يمكن أن يشهدون.
ديوان الوزير بين الخبرة والحزب والأسرة

تعليقات ( 0 )