تقرير يرصد استمرار فوضى المقالع والماء بالمغرب

حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من  استمرار استنزاف العديد من الموارد الطبيعية الحيوية والاستراتيجية بالمغرب.
وقال المجلس، ضمن رأيه المعنون بـ”آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (الموارد المائية والمقالع)”، إن “العديد من القطاعات في بلادنا لازالت تعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية الحيوية أو الاستراتيجية مثل المياه والمقالع، التي تشهد تدهورا متزايدا نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الاستغلال المفرط والاستغلال غير المشروع”.
وأضاف المجلس أنه “على الرغم من المساطر التي وضعتها السلطات العمومية لمنح التراخيص ومراقبة الاستغلال بهدف تقنين الولوج إلى الموارد الطبيعية، إلا أن هذه الموارد لازالت تتعرض لضغوط متزايدة بشكل يهدد تحقيق التنمية المستدامة وضمان الأمان الإنساني ببلادنا”.
وتابع: “فعالية تنفيذ آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد المائية والمقالع، تظل محدودة، حيث لم تسهم في الحد من الاستغلال المفرط وغير المشروع لهذين الموردين. ينضاف إلى ذلك التأثيرات المتزايدة للتغير المناخي ومختلف أشكال التدهور البيئي، سواء الناجمة عن عوامل طبيعية أو نتيجة للأنشطة البشرية”.
وفسر المجلس “الفعالية المحدودة” لتنفيذ آليات الترخيص والمراقبة بـ”وجود عدة إكراهات وأوجه قصور لازالت تطبع حكامة الموارد المائية والمقالع”، من أبرزها “ضعف إنفاذ المقتضيات القانونية المعمول بها، وتعقيد وبطء إجراءات منح التراخيص، وغياب الإطار التنظيمي أو تحيينه في ما يخص بعض الجوانب المتعلقة بهذه الآليات”.
كما أشار إلى “ضعف التنسيق بين الجهات الفاعلة وتداخل صلاحياتها”، و”قصور الإمكانيات البشرية واللوجستيكية والمالية، خاصة في مجال المراقبة”، بالإضافة إلى “عدم توفر أو قصور الأنظمة المعلوماتية”.
المجلس، وعند تطرقه للاختلالات التي تعيق تنفيذ آليات منح التراخيص والمراقبة في مجال المياه، سجل ضمن رأيه الذي اطلعت عليه  وجود عدد كبير من المستخدمين الذين يجلبون المياه خارج نظام التراخيص، (المياه الصالحة للشرب، أو مياه السقي، أو المياه الصناعية)، مشيرا إلى أن عددهم يفوق 102 ألف شخص.
من جهة أخرى، كشفت الإحصائيات التي استند إليها المجلس عن وجود 292 ألف و89 نقطة مياه، تتوفر فقط 30 ألف و646 منها على تراخيص رسمية، أي ما يعادل 10 في المائة، وذلك إثر عملية الجرد الشاملة لنقاط المياه المهجورة، التي تفتقر لتدابير السلامة الضرورية، المنجزة من قبل وزارة التجهيز والماء بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
واعتبر المجلس أن هذا الواقع يؤثر سلبا على أمن الموارد المائية بالبلاد وعلى حق المواطنين في الاستفادة من المياه.
ومن بين الاكراهات أيضا الذي أشار إليها الرأي “تعقيد وبطء إجراءات منح التراخيص أو الامتيازات “، عازيا ذلك أساسا إلى “صعوبة التنسيق بين أعضاء اللجنة الخاصة المكلفة بإجراء البحث العلني، بالإضافة إلى العدد الكبير للشكاوى والتعرضات المقدمة”.
ونبه المجلس إلى أن طول مدة الحصول على ترخيص لاستغلال الملك العمومي المائي من شأنه أن يدفع ببعض المستخدمين إلى اتخاذ طرق غير مشروعة في استغلال هذه الموارد بدلا من تسوية وضعيتهم بشكل قانوني.
وعلاوة على ذلك، أشار الرأي إلى تعدد الأطراف المتدخلة في منح التراخيص دون تنسيق بينهم، كحالة المكاتـب الجهويـة للاستثمار الفلاحي مع وكالات الأحواض المائية، مما يفرز نظام تراخيص مجزأ ومشتت وضعيف الفعالية، بحسب تعبير المجلس.
وعلى المستوى اللوجستيكي والبشري، وقف الرأي فيما يخص الموارد المائية عند نقص الموارد البشرية ومحدودية الوسائل التقنية في مجال المراقبة، مشيرا إلى أن المغرب يتوفر عدد محدود من أعوان شرطة المياه، وهو ما يعيق تنفيذ آليات المراقبة على امتداد التراب الوطني، ويفضي غالبا إلى تدبير غير فعال للموارد المائية.
ولفت الرأي أيضا إلى بطء المآل القضائي لمحاضر المخالفات المتعلقة بالمياه نتيجة نقص الأطر والكفاءات القضائية المؤهلة للنظر في مثل هذه القضايا، بما في ذلك المنتسبون إلى المهن القضائية كالمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء القضائيين.
وفيما يخص النواقص التي تحول دون فعالية مثلى في تنفيذ آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال في مجال المقالع، نبه الرأي إلى بطء دينامية إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع، بسبب الاكراهات المرتبطة بالحكامة والتنسيق بين الفاعلين على المستوى الترابي، والنقص الواضح في الإمكانيات البشرية والمادية، المخصصة للرصد والمراقبة الدورية للمقالع.
وحذر المجلس كذلك من هيمنة القطاع غير المنظم الذي يتمثل في المقالع غير المصرح بها أو المقالع المُرخص لها التي تُقدم على ممارسات من قبيل الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل، مبرزا أن ذلك يؤدي إلى “خلق منافسة غير مشروعة، وتفوت مداخيل ضريبية إضافية، إلى جانب مخاطر الاستغلال المفرط لبعض أنواع المقالع، إلى جانب ضعف امتثال ظروف العمل في بعض المقالع للنصوص التنظيمية، وضعف إعادة تأهيل المقالع من قبل معظم المستغلين”.
ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مواطن الضعف هذه وأوجه القصور التي نبه إليها تسهم في “إضعاف قدرة آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال على التصدي للممارسات الحالية التي تتسم بالاستغلال المفرط، و الممارسات غير المشروعة، والهدر، والتدهور الكمي و الكيفي للموارد الطبيعية، و التهرب الضريبي، والريع، وما إلى ذلك، مما يستدعي إجراء جملة من الإصلاحات والتعديلات للنهوض بفعاليتها”.
وفي هذا الصدد، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتعزيز فعالية النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها، مع الحرص على التنفيذ الفعّال لآليات منح التراخيص والمراقبة في مجال المياه والمقالع، وتبسيط المساطر واحترام الآجال القانونية لمنح التراخيص، فضلاً عن تسوية وضعية مستغلي الموارد بكيفية غير قانونية.
كما شدد على تعزيز الإطار القانوني المنظم لآليات منح التراخيص والمراقبة، من خلال إضفاء الطابع الملزم على المخططات الجهوية لتدبير المقالع، مع تسريع عملية إعداد هذه المخططات، واعتماد النصوص التطبيقية الضرورية لتنفيذ القانون رقم 49-17، لاسيما بخصوص التقييم البيئي الاستراتيجي للمخططات والبرامج والمشاريع الوطنية والجهوية لاستغلال المياه والمقالع.
ومن أجل تحسين الحكامة في قطاعي الموارد المائية والمقالع في ضوء تأثيرها على فعلية ونجاعة آليات منح التراخيص والمراقبة، دعا المجلس إلى “تعزيز وسائل وقدرات المتدخلين في مجال المراقبة، ووضع آلية للتنسيق ما بين المؤسسات تمكن من اتخاذ قرارات تحكيمية بشأن استخدام الموارد المائية المتاحة في حالات الأزمات، وتعزيز كفاءات وقدرات جميع المتدخلين في المساطر القضائية ذات الصلة مع دراسة إمكانية إحداث غُرَفٍ خاصة يُناط بها النظر في مختلف قضايا البيئة على مستوى المحاكم المختصة، بما فيها قضايا الماء والمقالع”.
وأوصى أيضا بتحسين أداء عملية تحصيل الإتاوات المتعلقة باستغلال المياه الخاضع لنظام الترخيص والامتياز وتعزيز النجاعة الاقتصادية والضريبية المرتبطة باستغلال المقالع، وكذا إحداث نظام معلوماتي وطني مندمج ومحيَّن باستمرار مُخصَّص لقطاعات المياه والمقالع.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي