كتبت مقالا قبل أيام حاولت من خلاله تقديم وجهة نظر حول وضعية المرأة والعراقيل التي تمنع العدالة داخل الأسرة. لم أقدم مقترحات ذات طابع ايديولوجي أو ” دينو-سياسي”. ولكن الزعيم المنعم عليه والباحث عن معركة تعيده إلى الواجهة، والذي عاد إلى قيادة العدالة والتنمية، خلفا للدكتور العثماني لا زال واثقا أن خطابه الشعبوي سيولد موجات ارتدادية شبيهة بتلك التي تتعلق بالزلازل. تمنيت أيها الأستاذ، الذي لم تمكنه الظروف من الارتقاء إلى مستوى عال في التحصيل العلمي، أن تتعلم ممن كانوا في محيطك. لا أدري، إن كان بن كيران قد تابع الخرجة الموفقة لوزير العدل السابق الأستاذ الرميد، وفكر مليا في أن العقل يحضر لدى أولي النهى ويغيب عند من لم يتسلحوا بالعلم . رغم كل التحفظات، ثمنت منهجية المحامي ووسطيته في التفكير في كثير من القضايا التي توجد قيد النقاش قبيل خروج نص مشروع تغيير مدونة الأسرة. كلام الرميد يبين الفرق الكبير بين مفكر وزعيم مفترض يضع الارتجال، يعني ما يقع على اللسان في هنيهة، على لسانه دون تفكير، والقريبة إلى فرجة المسرح، منها إلى مرتبة التفكير الفقهي، وبين من يفكر مليا قبل النطق المسؤول والمستقيم بلغة السياسي المسؤول.
أتمنى أيها الرئيس السابق للحكومة أن ترتقي بتفكيرك إلى العلم وما وصل إليه الفكر الإنساني من ذكاء. لن أطلب منك أن تقبل بالمثلية ولا بالحرية المطلقة للزنى ولا بما سماه وزير العدل الحالي بالعلاقات الرضائية. لن تقبل كغيرك بهذه العلاقات، التي لا تدخل ضمن قناعاتي، وأنت والكثير من المغاربة، يعرفون بأنها متجذرة الوجود منذ قرون والممارسة في الكثير من المجتمعات ومن ضمنها مجتمعنا. الناس تعودوا على ” الستر” مع كثير من التسامح. المطلوب الأساسي هو كسر كل الحواجز التي تتسبب في الظلم الأسري بما فيها زواج القاصرات وكل القضايا المتعلقة بالحضانة ونزعها وبالولاية وفتح الاجتهاد الإنساني في كل المجالات بما فيها الإرث. لا أبحث عن فتنة ولكن الهدف الأمثل هو العدل . تحسين التوازنات الحقوقية في مجال الأسرة هدفه الأساسي حماية الحلقات الضعيفة اجتماعيا وقانونيا في بنية الأسرة. تعرف أيها الرئيس، المطاح به بمباركة حزبه، أن القانون لوحده ليس كافيا في مجال حماية الأسرة. ولكنك تتجاهل كل الأفعال التي تؤذي النساء والأطفال. همك الوحيد أن تؤجج نار القضايا الخلافية التي يمكن أن تخلق الفتنة وتلفق كل التهم لمن لا يوافقونك نفس الفهم ونفس الموقف من المرأة والأسرة. ولا أظن أنك تستهين بواجب المحافظة على المصالح العليا للوطن.
جلست قبل سنوات على كرسي رئاسة الحكومة ولم تنجح في تحقيق ما وعدت به من صدقوا وعودك. اعترفت، بعد خروجك، أنك كنت ضعيفا وواثقا بشركائك من الأحزاب. فوضت سلطاتك لحزب التجمع الوطني للأحرار. وتأتي اليوم لتهاجم الأحزاب والهيئات والجمعيات الحقوقية بكثير من التهديد. ونسيت أنك فشلت في مواجهة من ازاحوك من منصبك، بمن فيهم أصحابك. نسيت ” اسي بن كيران ” أن ملك البلاد هو من فتح ورش مدونة الأسرة بفكر منفتح على الاجتهاد ومحترم لكل ما هو مقدس حقيقي مصدره كلام الخالق وليس أفكار من أضفوا على أقوالهم قدسية مصطنعة. إنه وقت المسؤولية وليس وقت التهديد. انك لا تملك وسائل مواجهة الدولة ولا مواجهة ملايين الأسر التي تطمح إلى صيانة حقوق الأطفال عبر تحصينهم ضد جرائم بعض الآباء. هذا التحصين هو العدل الذي أمر به رب العباد.
حين أسمعك وغيرك من دعاة الفكر المحافظ، وكلكم لا تتورعون في إعطاء مثال اللاعب البرتغالي رولاندو لكي تبرروا الظلم الإجتماعي، لكي تفتحوا أعينكم على أمثلة السلوكات المثلى عالميا. تغلفون أن كلامكم يشبه ذلك الذي سيسجل هدفا في مرماه لفرط تقديسه لتكتيك الدفاع. رجعتيكم في فهمكم الضيق للدين والله عادل وكريم وحرم الظلم على نفسه كما ورد في الحديث القدسي.
إذا كان الرجعيون ذوي قدرة على القول بأن لهم القوة على الخروج إلى الشارع، فلتكن لهم القدرة كذلك على الإعتراف بأن تعدد الزوجات وعدم ضمان الأمن للأسرة هو السبب الأساسي في خروج الأطفال إلى الشارع وخروجهم من النظام التعليمي ودخولهم إلى عالم الهشاشة والضياع. التهديد بمس السلم الإجتماعي ليس من شيم من خبر التدبير السياسي وفشل فيه. والقضية التي وجب التنبيه إليها هي أن للبيت رب يحميه بقوة الشرعية والقانون . ويوجد شعب يريد العدل وقيادات راشدة لا من لم يتجاوز الحد الأدنى من الرتب العلمية ويريد تغليب الحضور المؤجج للفتنة على فعل العقلاء.
الإصلاح واجب لحماية المجتمع وليس لقبول سلوكيات لا زالت تحن إلى زمن الجاهلية. أولئك الذين تسكنهم رغبة التعدد والنكاح المتعدد يريدون أن تعود ثقافة القوة الذكورية في معناها الجسدي. هم ضحية للفكر المتخلف ولكنهم سيظلون ضعفاء أمام العدل الإلهي. فكر وحلل وناقش وترفع، إذا تمكنت، لتصل إلى درجة الوعي بمستقبل الوطن أولا وليس بمستقبلك أولا ولا بمستقبل جماعتك. وهذا المستقبل تعيش بفضله ماليا لا بفضل التهييج البدائي ضد العدل والمساواة والمناصفة التي أقرها الدستور.
رجل الدولة هو من لا يستغل اللحظة لإعادة صنع مجد وليس التأثير على مسار هادئ ورزين للبحث في السبل الممكن أن تؤدي إلى توازنات ضرورية للبنية الأسرية وللمجتمع. وسيظل السؤال هو هل يتكلم المحترم بن كيران كزعيم لحزب العدالة والتنمية أو كزعيم لحركة دعوية. أشغال اللجنة التي كلفها ملك البلاد بمراجعة مدونة الأسرة لم تقدم، لحد الآن، تقريرها إلى جلالته. ومن العيب التشويش على ملف يشتغل عليه الكثير من القانونيين والفقهاء والفاعليين الاجتماعيين. وأرجع وأقول أن للبيت رب يحميه.
من يهدد بمظاهرة مليونية، فليعرف أن الملايين بالعشرات تنتظر الإفراج عن إصلاح ينتظره أطفال وبنات وقاصرات وزوجات وآباء ومجتمع يتوق إلى العدل ولا ينتظر خطابات تريد أن تعود بنا إلى قرون مضت. وألله المستعان على من ” هم ان ذهبت أخلاقهم ذهبوا “.
تعليقات ( 0 )