يركز قانون المالية الأول لحكومة أخنوش على أولوية تحقيق التنمية الاجتماعية. لكنه لا يوفر في الواقع الموارد ولا البرامج اللازمة، لمعالجة التأخر في التنمية الاجتماعية أو مخلفات عامين صعبين من الوباء. بينما لا تزال آفاق خلق فرص العمل لعام 2022 متواضعة وفقا لخطة الحكومة. ولا يزال الاستثمار تحت رحمة انتشار متحورات كوفيد 19، ونقص الموارد والحوكمة الضعيفة. وفي الوقت نفسه، لا تزال التوقعات بشأن النمو الاقتصادي في حدها الأدنى، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي معدل نمو يبلغ 3,2℅ للعام الجديد، بما يتماشى مع الاتجاهات التي سادت خلال العقد الماضي.
هكذا، وبعد شهرين في السلطة، أعطت الحكومة المغربية الجديدة إشارات على رغبتها في إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية والتعافي من الآثار المطولة لكوفيد 19 على البلاد. لكن مع ذلك، فإنه بالنظر إلى استقرار الاقتصاد الكلي، فإن من شأن الموارد المالية المحدودة، من جهة، وزيادة الإنفاق الدفاعي، من جهة أخر، أن تحد من قدرة الدولة على متابعة وتمويل خطط التنمية الاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها.
التفاصيل نادرة في قانون المالية
حتى في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة عمليات إغلاق وقيودا جديدة على السفر، لمنع انتشار متغير أوميكرون، فإنها تكافح لموازنة ذلك مع التركيز على الانتعاش الاقتصادي. لقد تم رسم مسار هذا الانتعاش في الإطار الأوسع، الذي تم تحديده بالفعل في النموذج التنموي الجديد للمغرب. وتم الكشف عن إطار هذا النموذج التنموي في مايو 2021، في أعقاب حوالي عام ونصف من التشاور والدراسة. وكانت انطلاقة العمل على إعداد النموذج عام 2019، حيث ظهرت الحاجة إلى إدارة أسلم للشؤون العامة، وتنمية بشرية أكبر، وتنمية اقتصادية أكثر شمولا. وتعكس هذه الدعوات مطالب المواطنين كما تم التعبير عنها في الاحتجاجات على مدار العقد الماضي، بما في ذلك في الريف في عام 2016 وفي جرادة في عام 2019.
ولذلك حرصت الحكومة على أن يعكس قانون المالية للعام 2022، هذه الجهود من أجل بناء شبكات أمان اجتماعي أقوى، وتحسين الخدمات المقدمة، وتوفير فرص شغل، ووضع التنمية الاجتماعية في طليعة السياسات الاقتصادية. ولهذا الغرض تم رفع ميزانية الإنفاق من 52 مليار دولار إلى 57 مليار دولار، بحيث تسمح بالتركيز على التنمية الاجتماعية، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية الشاملة، والمساعدة المالية للفئات الأشد فقرا، وإعطاء الأولوية لتوفير الرعاية الصحية والتعليم في المناطق المهمشة.
ومع أن التفاصيل الكاملة لهذه الخطة ما تزال غير وضاحة تماما، إلا أن ميزانيات البرنامج ليست أعلى بكثير مما كانت عليه في قوانين المالية السابقة. علاوة على ذلك، أوقفت الحكومة الخطط السابقة لخفض الدعم المخصص لصندوق المقاصة، بالنظر إلى الهشاشة المتزايدة بسبب أزمة كورونا، مما يحد من توفر الموارد الضرورية. وكشفت الحكومة كذلك بأنها تريد خلق 250 ألف فرصة عمل في غضون عامين في القطاع الخاص. لكن قانون المالية تطغى عليه ندرة التفاصيل المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ومحدودية الموارد لتمويل تشغيل الشباب وخطط الاستثمار، وزيادة الإنفاق الدفاعي، ومدى اعتماد الدولة على الدين الخارجي.
ميزانية الدولة مُجهدة أصلا
ومن ذلك أن القضية الرئيسة تظل هي: كيف ستغطي الحكومة تكاليف هذه المشاريع الموعودة، بالنظر إلى محدودية النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، والنمو السلبي وزيادة الإنفاق والاقتراض الحكومي خلال فترة وباء كورونا؟ انخفض معدل النمو الذي وعدت به الحكومة المغربية من 4℅ خلال عرضها للبرنامج الحكومي إلى 3,2℅ أثناء عرض قانون المالية. مما يعكس ربما توقعات اقتصادية أكثر دقة. كما رفعت الحكومة عجز الميزانية إلى 5,9℅، وبلغ متوسط العجز السنوي المسجل بين عامي 2012 و2019 حوالي 4,5℅ من الناتج المحلي الإجمالي. وهو ما يعني أن الحكومة تحتاج كل عام إلى 4,5℅ من مقدار ناتجها المحلي الإجمالي من التمويلات، لتغطية نفقات ميزانيتها. وقد ساهم ذلك في زيادة نسبة ديون المغرب إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي وصلت بحلول عام 2020 إلى 94℅ من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال هذه المدة أيضا، سجل المغرب معدلات منخفضة من النمو الاقتصادي، حتى مع زيادة الطلب على برامج الدعم الاجتماعي.
كما بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للمغرب 3,3℅ بين عامي 2010 و2020، مع أدنى مستوياته عند 1,06℅ في 2016، وناقص 7,1℅ في 2020. وحتى في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى زيادة الإنفاق بمبلغ إضافي قدره 4,3 مليار دولار، فإنها لم ترفع الإيرادات لتعويض ذلك، بحيث سيأتي التمويل من الديون الخارجية أساسا. وستؤدي مشاريع الحماية الاجتماعية، التي وعدت بها الحكومة، إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي، في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد بعد من آثار الوباء. وهو ما يزيد من إجهاد ميزانية الدولة التي تعاني من عجز هيكلي، استمر على مدى السنوات العشرين الماضية. وتفترض الميزانية أيضا أن معدل التضخم سيكون في حدود 1,2℅، وهو رقم يبدو متفائلا إلى حد ما بالنظر إلى أن معدلات التضخم تتزايد باطراد في الاقتصادات المتقدمة. وهو ما قد يؤدي إلى ظاهرة “التضخم المستورد”، بحيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية خلال الأشهر المقبلة.
كيف ستُمول البرامج الجديدة؟
إن الدولة لديها طموحات كبيرة لتعزيز استثمارات القطاع الخاص، مع التركيز على زيادة القدرة التصديرية، وبالتالي معالجة العجز التجاري في البلاد. وسبق أن أنشأت الحكومة في 4 فبراير 2021، “صندوق محمد السادس للاستثمار” لتعزيز الاستثمارات في القطاعات الرئيسة، بما في ذلك التصنيع والزراعة والعقارات والسياحة. وتبلغ الميزانية المرصودة للصندوق 15 مليار دولار. غير أنه لا يزال من غير الواضح من أين سيأتي هذا التمويل. فعلى الرغم من الإصلاحات التي تم القيام بها لتحسين مناخ الأعمال في المغرب، وكذا مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال بحسب تقرير “دوين بيزنس” للسنوات الماضية، وعلى الرغم من الاستثمار الأجنبي المباشر المتزايد في قطاعات محددة مثل التصنيع، فإنه ما يزال اعتماد المملكة حتى الآن كبيرا على الاستثمار العام.
وعلى نفس المنوال، تعمل الدولة على إنشاء صناديق استثمار مخصصة للشباب، الذين تتراوح أعمار البالغين منهم بين 15 و35 عاما 38℅ من السكان، والذين يزيد معدل البطالة بينهم على 30℅. لذلك، اقترحت الميزانية الجديدة برنامجا يسمى “فرصة” مخصصا لتمويل مشاريع الشباب. ومن المنتظر أن يخصص البرنامج 135 مليون دولار لـ 50 ألف مشروع. أي ما يعادل 2700 دولار فقط في المتوسط لكل مشروع، وهو مبلغ ضئيل ومنفصل عن واقع تمويل المقاولات أو الشركات الناشئة. وهذا البرنامج هو مثال حول صعوبات الحصول على التمويل، سواء من الحكومة أو القطاع المصرفي. وهو أكبر عقبة تواجه المشاريع الخاصة في البلاد، ما يشكل تحديا كبيرا لنمو القطاع الخاص.
وإذا كان المغرب قد اعتمد في الماضي على التمويل الأجنبي لموازنة ميزانيته ودعم البرامج الجديدة. فإنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الدولة ستكون قادرة على القيام بذلك مرة أخرى. فنقص الموارد المالية سيجعل من الصعب تحقيق المشاريع الاجتماعية خلال العام الجاري، خاصة وأن الدولة تسعى إلى تحقيق التوازن بين مؤشرات الاقتصاد الكلي على المدى القصير.
كيف ستمول حكومة أخنوش أولويات ميزانية 2022؟

تعليقات ( 0 )