اختتمت أعمال الملتقى العلمي الدولي “الثقافة والفنون ودورهما في مكافحة الجريمة والتطرف”، الذي عقدته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) يومي 17 و18 يوليوز الجاري بشراكة مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي. وأوصى الخبراء المشاركون في الملتقى بوضع تعريف جامع للتطرف ليتسنى التعامل وفقا له بمنظور العدالة والإنصاف، ودعوا المثقفين للإسهام الايجابي الفعال في إثراء “حوار الثقافة والفنون إزاء الجريمة والتطرف”، وأكدوا أهمية تعزيز أدوار المقاربة الاجتماعية الاقتصادية الثقافية في استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب، ودعوا إلى اعتماد برامج التكوين في المناهج الدراسية والتربوية واعتبارها مواد أساسية جاذبة في سلك الدراسة قبل الجامعية.
كما أوصوا بإيلاء الناشئة اهتماما يماثل شراسة التحديات الماثلة على المستوى العالمي، وأكدوا على ضرورة إنشاء مراكز مناطقية تهتم بتقديم خدمات الثقافة والفنون،. وثمن المشاركون مبادرة منظمة الإيسيسكو لإنشاء كرسي علمي للمقاربات الثقافية في مواجهة الجريمة والتطرف، وذلك بتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية.
ومن أبرز المداخلات في افتتاح الملتقى كلمة الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، التي أكد فيها أكد فيها أن غيث الثقافة ومنبع الفن لا محيص عن العودة إليهما في كل ما يتصل بالإنسان، ذلك أن الثقافة والفن هما الأقرب صلة بمشاعر البشر وأحاسيسهم، مشيرا إلى أن الجريمة والتطرف نتاج ظروف اجتماعية قاسية، خلت من قدوة مجتمعية. وكلمة السيد خالد بن عبد العزيز الحرشف، وكيل العلاقات الخارجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، التي أوضح فيها أن الملتقى يترجم الوعي بكون الفن أحد مسارات دعم التعايش ومكافحة التطرف والتقارب الحضاري.
و شارك في الملتقى عدد من المسؤولين والخبراء من وزارات الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية والإعلام والثقافة في الدول العربية، وممثلين عن المنظمات الإقليمية والدولية، إضافة إلى باحثين من الجامعات والجهات المختصة. وعلى مدى يومين تم عقد سبع جلسات عمل ، تم خلالها مناقشة دور الفن والثقافة في الدمج المجتمعي من خلال برامج إعادة التأهيل ، وسبل تعزيز وتطوير دور الثقافة والفن في مكافحة الجريمة، ودراسة أنواع الأعمال الثقافية والفنية ومدى إسهامها في مكافحة الجريمة والتطرف، ودور الثقافة والفنون في تعزيز التعايش بين الحضارات والشعوب، وأهمية المحتويات الثقافية والفنية في مكافحة ومواجهة التطرف، وسبل دعم التعايش بين الأفراد والشعوب والحضارات في مكافحة التطرف، ودراسة أثر بعض الممارسات الثقافية والفنية في مكافحة التطرف والجريمة.
ويندرج عقد الملتقى العلمي الدولي “الثقافة والفنون ودورهما في مكافحة الجريمة والتطرف” في إطار الرؤية الجديدة للإيسيسكو القائمة على عدم الاكتفاء بالمقاربة الأكاديمية الـتأصيلية لظاهرتي العنف والتطرف ومعالجتهما من الناحية القانونية والحقوقية والإعلامية ، بل الانتقال إلى توظيف مقاربة جديدة تعالج الموضوع من منظور سوسيو ثقافي يستحضر أهمية المقاربة الإبداعية والفنية في تحصين الأطفال والشباب من مخاطر التعصب والتطرف الفكري والجريمة الألكترونية التي استفحلت أشكالها وتداعياتها الجنائية والسلوكية والفكرية بسبب الاستعمال الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي ومختلف تقنيات الاتصال الجديدة.
وخلاصة القول يكتسي الملتقى العلمي الدولي “الثقافة والفنون ودورهما في مكافحة الجريمة والتطرف” أهمية بالغة لاعتبارات كثير ومتعددة لايتسع المجال للتفصيل فيها ، وقد يكون كافيا الإشارة إلى ثلاثة أمور أساسية:
• الأمر الأول ويتعلق بالهجمة المسعورة التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي ضد الفنون وكل أشكال الإبداع الفني والموسيقي واعتبارها رجسا من أعمال الشيطان وضلالا وفسوقا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ويجب تكفير ممارسيه ومنعهم من تخريب الأخلاق والابتعاد عن نهج السلف الصالح .لكن هذه الهجمة تصدى لها المبدعون والمثقفون من خلال تنظيم ندوات ومؤتمرات وتظاهرات أكدت أن الفنّ والإبداع وسيلتان ضروريتان لتعزيز الحوار بين الثقافات، و تعميق الإئتلاف والنأي عن الاختلاف، في مواجهة التطرّف بأشكاله المختلفة.
• الأمر الثاني ويتعلق بتزايد الوعي بأهمية التربية الفنية والشروع في مراجعة مناهجها في النظام التربوي والتعليمي في كثير من دول العالم الإسلامي من خلال تشجيع الفنون البصرية مثل: الرسم، وفنون النحت، والأعمال الفخارية، وأعمال التصميم؛ والفنون الأدائية مثل: الرقص، والموسيقى، والمسرح، والفنون المعتمدة على استخدام الكمبيوترمثل التصوير الفوتوغرافي، والفيديو، والأفلام، والتصميم. وحصل هذا الاهتمام بالتربية الفنية وعيا بدورها الكبير في تطوير الكمال الذاتي والروحي للفرد بشكلٍ مستمر من خلال اتصاله بالفن.
• الأمر الثالث هو أن دراسات عديدة أكدت دور التربية الجمالية في نمو الشخصية الإنسانية وإذابة التطرف؛ وأن المسؤولية تقع على المجتمع والدولة بكافة مؤسساتها في تنمية الإحساس بالجمال لدى الأطفال ، وفي إتاحة الفرصة لجميع أفراد المجتمع ليقدروا الفن ويستمتعوا به . كما أكدت الأبحاث التربوية المعاصرة أن مادة التربية الفنية هي أحد الأعمدة الأساسية الرئيسة التي تسهم في تنمية الجوانب الابتكارية لدى المتعلمين، وهي خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والإرهاب، ولا سيما أن الجماعات المتطرفة تقوم جميعها – ودون استثناء – بإحباط مظاهر الفن والجمال كخطوة أساسية لنشر فكر التطرف.
في كثير من الندوات والمؤتمرات التي تم تنظيمها في عدد من الدول العربية إثر تصاعد ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني وتكفير الإبداع ومنعه ، دعا الفنانون والمثقفون إلى محاربة ما سموه “التطرف الفكري والإرهاب” بالفن والإبداع، والعمل على بناء ثقافة فنية قادرة على الارتقاء بالشعوب العربية، كما طالبوا بضرورة إعادة صياغة سياسة ثقافية عربية تضع الفنون والموسيقى في مرتبة متقدمة، وأكدوا أن للفنون وكل أشكال الإبداع دورا كبيرا في مقاومة الإرهاب الحد من التطرف، باعتبارها تتضمن قيم الحياة ضد قيم الموت.
لقد أولى المشاركون في الملتقى عناية كبرى لمناقشة الممارسات الثقافية والفنية الفضلى في مكافحة التطرف والجريمة. وبقرب المكان الذي احتضن أعمالهم في مقر الإيسيسكو توجد أحد أهم هذه المبادرات الإبداعية والفنية والثقافية وهي المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية الذي يعقد بالتعاون بين رابطة العالم الإسلامي والإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب منذ نونبر 2022 ، حيث تجاوز عدد زواره المليون ونصف المليون من النساء والرجال والأطفال واليافعين والوزراء وكبار المسؤولين والمثقفين والمبدعين والفنانين والإعلاميين من المغرب وخارجه. فكان المعرض عملا ثقافيا على قدر عال من الاتقان المهني والابداع الفني، استعملت فيه أحدث التقنيات التي تجعل الزائر يعيش أبعاد السيرة النبوية والمشاهد والآثار التاريخية، بتقنيات العرض ثلاثي الأبعاد الذي يبرز بشكل مشوق وممتع جوانب من المشاهد والمعالم التاريخية والمقتنيات، التي وردت في سيرة النبي الكريم ﷺ. لقد ساهم المعرض في تعزيز الرؤية المستنيرة في الدفاع عن معالم الحضارة الإسلامية والتعريف بها والرد على الحملات الإعلامية الهادفة إلى تشويه صورة رسولنا الكريم ، كما أتاح الفرصة لتعريف الأطفال والشباب بالأبعاد المختلفة لشخصية الرسول الكريم وتربيتهم على محبته والاقتداء بسيرته الطاهرة وتحصينهم من التضليل الذي تقوم به الجماعات الإرهابية المتطرفة من خلال ترويج معلومات خاطئة تسيء إلى الرسول ﷺ. ومنها الادعاء أنه نشر الإسلام بواسطة السيف وسفك الدماء مستندة في ذلك على أحاديث ضعيفة وقراءات ضالة لسيرته الطاهرة.
تعليقات ( 0 )