مل المغاربة من أخبار نهب المال العام والاختلاسات والفضائح المالية، وهو أمر متوقع مادامت هذه الملفات تطفو على السطح بالعشرات.
ملفات لا نسمع لها أي صدى لدى الجهات الرقابية والقضائية، التي تكتفي في أحسن الأحوال بإصدار تقرير “ميت”، أو فتح تحقيق لرفع الحرج، تليه محاكمة تمتد لسنوات لتنتهي بأحكام صادمة لشدة نعومتها.
اليوم النموذج الصارخ هو ما يقع بمدينة الصويرة، التي صرف عليها أزيد من 100 مليار في صفقات فاسدة، جعلت الواد الحار يفيض على السكان والسياح، غير بعيد عن منصة مهرجان كناوة الرئيسية بساحة مولاي الحسن.
للتذكير فقط تم إعادة تأهيل ساحة المهرجان بمبلغ فلكي تجاوز مليار و500 مليون، ورصدت لها صفقات جديدة، وكانت النتيجة كارثية بعد ظهور عيوب جعلتها مسخرة مختلطة بالمرارة في نظر الساكنة.
ضيوف المهرجان هذا العام، من الوزراء والمسؤولين الكبار، الذين سيستمتعون بمهرجان كناوة، ولياليه وسهراته، سيغادرون منتشين دون أن يقدموا تعزية للمدينة التي صارت تحتضر يومًا بعد يوم، بعد أن تحالف عدد من المنتخبين ورجال السلطة على خنقها بحبل الفساد والريع.
جميل أن يكون للمدينة مهرجان بصيت عالمي،لكن الأجمل أن يكون المهرجان قاطرة لرد الاعتبار للمدينة وسكانها. لا أن يتحول لفرصة لـ “تانكافات” من قبل المنظمين ورجال السلطة، وعلى رأسهم عامل الإقليم الذي يعاين ومنذ سنوات كيف تحولت المدينة لمختبر تجارب لجميع أنواع الغش التي كلفت عشرات الملايير من المال العام دون أن يحرك ساكنا، وهو سلوك جعل عددا من الأصوات تطالب برحليه اليوم وليس غدا.
يكفي هنا العودة لما وقع في فضيحة “بادجات” المهرجان بين المنظمين والمجلس الجماعي لنكتشف أن هذا المهرجان كما هو حال المدينة تحول لوزيعة، بعد أن صُرف على الصويرة مبلغ فلكي لتحصل الساكنة على ماء الواد الحار في الأزقة وحفر ومطبات بالشوارع وغش بأكثر من وجه.
لقد كان من المفترض للتقرير الأسود الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات حول المكتب الوطني للملكية الصناعية والتجارية، والذي كان عادل المالكي العامل الحالي للصويرة مديرًا له، أن يشكل حافزًا للاستفادة من أخطاء الماضي، لكن العكس هو الذي حصل.
ولهذا، تابعنا بذهول وصدمة كيف أن عامل الإقليم أدرج صفقة بقيمة ربع مليار سنتيم لإعادة تأهيل قاعة اجتماعات في حالة جيدة جدًا، دون أن نسمع في وزارة الداخلية من يقول “اللهم إن هذا منكر”.
كما شاهدنا سيارات فاخرة رباعية الدفع تقتنى بأكثر من 50 مليون سنتيم من المال العام في نفس الإقليم الذي ماتت فيه 15 سيدة، وهن يتدافعن من أجل الحصول على مساعدة غذائية بسيطة، تتمثل في أكياس طحين وزيت وقليل من السكر، لا تساوي قيمتها ما ستستهلكه سيارة رئيس المجلس الإقليمي من البنزين.
كيف يمكننا أن نقنع المغاربة، وبالأخص فقرائهم، بأن الأمور ستتغير في الوقت الذي يشاهدون فيه مدخرات البلاد تُنهب وتُستنزف، فيما يتحول المال العام إلى “وزيعة” مشروعة في سلوك أصبح يتحكم في تدبير معظم المجالس والمؤسسات.
يحدث هذا في الوقت الذي تتباكى فيه الحكومة على قلة الإمكانيات وتغرق في المزيد من الديون الخارجية، وتمارس التضليل والاحتيال لإقناع البسطاء الذين نفذ صبرهم بقبول السحت مقابل رفع الدعم عن الغاز والسكر والدقيق.
لقد سمعنا الكثير عن الفساد الكبير دون أن نرى إلى اليوم وجوهه بغرف التحقيق، وأمام قفص الاتهام بالمحاكم.
كما اتخمنا بالتقارير التي نشرت وسخ لائحة طويلة من المسؤولين والقطاعات التي كبدت المغاربة مئات الملايير من الدراهم، دون أن نعاين أي إجراء عقابي يحترم الدستور الذي ينص على المحاسبة، ولو على شكل توبيخ أو تنبيه، أما عدا ذلك فيبقى مجرد حلم.
هذا لأن كبار اللصوص والفاسدين في المغرب لا يحاكمون، ولا يقالون، بل يتم أحيانا ترقيتهم لمناصب أرفع، وفي ذلك حكمة يعلمها الجميع؟.
تعليقات ( 0 )