مع توالي سنوات الجفاف، بات المزارعون المغاربة الصغار أمام وضع صعب، خصوصاً الذين يعتمدون على الزراعة البعلية المعتمدة فقط على الأمطار، وبات مستقبلهم مهدداً.
ومع اقتراب موسم الحصاد ساد الارتباك في أوساط الفلاحين الصغار الذين يطالبون للحكومة تقديم دعم لهم لتجاوز الأزمة.
وتأتي هذه المطالب، بعد انحباس المطر، مما ترتب عليه محصول زراعي منخفض.
وقال حسن الوردي، مزارع في بلدة أم عزة (نواحي العاصمة الرباط)، أن “الموسم الفلاحي الحالي سجل انخفاضاً كبيراً، لأن المنطقة لم تشهد تساقطات مطرية في المدة المفروض أن تسجلها”.
وأوضح في مقابلة أن فلاحي منطقة أم عزة “يمرون بأوضاع اقتصادية صعبة خلال 3 سنوات الأخيرة، على الرغم من لجوء بعضهم للاقتراض من البنوك لشراء الأجهزة وتحسين مردودهم الزراعي”.
وتابع “المحصول الزراعي تغير بسبب الظروف المناخية للمنطقة.. جفت المياه في آبار المياه الجوفية، عندنا بئرين في القرية لم يتبق فيهما ماء، لا من أجل البهائم، ولا من أجل الشرب، وخسرنا محصول الحبوب والخضروات”.
وأضاف أن “محصول هذا الموسم منخفض جدا، حيث إن هكتاراً واحداً ينتج 10 أو 15 بالة (تطلق على حزمة تبن)، مقابل أنه كان يسجل 150 أو 200 بالة في المواسم السابقة”.
ودعا حسن الوردي الحكومة إلى “إيجاد حلول دعما للفلاح الصغير والمتوسط.. المزارع ظل مكتوف اليدين، حيث يعرض أرضه للبيع ويهاجر إلى المدينة بحثاً عن مجالات أخرى للعيش”.
ويرتبط الاقتصاد المغربي بشكل كبير بالزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار كمصدر رئيسي للري، فضلا عن كون القطاع الزراعي يشغل نحو 40 في المئة من إجمالي اليد العاملة في البلاد.
وقالت وزارة الفلاحة أن “بداية الموسم شهدت ظروفاً مناخية غير مواتية، مع تأخير في الأمطار، وعجز كبير في الهطولات وتوزيع زمني غير موات”.
ولغاية 27 أبريل 2023، سجلت “تساقطات مطرية تراكمية بلغت 207 ملم، بانخفاض بحوالي الثلث مقارنة مع سنة عادية، وبزيادة 13 في المئة مقارنة بالموسم السابق”.
وسجلت “السدود الكبيرة معدلات ملء منخفضة، لا سيما في منطقتي الحوز وتادلة (وسط).. إذ بلغ معدل ملء السدود 33 في المئة، مقابل 31 في المئة في الفترة نفسها من الموسم السابق”.
وخلال الشهر الماضي، دافع مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، عن “المخطط الأخضر”.
وقال بايتاس أن الجفاف وارتفاع أسعار الأدوات الفلاحية ساهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعار مجموعة من المنتوجات الزراعية.
وأضاف “لا يمكن عزل الواقع عن السياق الراهن، باعتبار أنه قبل 4 أو 5 سنوات، كان الجميع يتحدث عن الوفرة، قبل أن يعاني المغرب منذ 3 سنوات من توالي الجفاف وقلة التساقطات المطرية، ما خفض المساحات المروية بنسبة 80 في المئة”.
وتزامنا مع تخوف المزارعين الصغار ومطالب الفلاحين، توقعت وزارة الفلاحة المغربية الأسبوع الماضي أن يبلغ المحصول الفلاحي 55.1 مليون قنطار (القنطار 150 كغم) لموسم 2022/2023.
وجاءت توقعات المحصول المرتقب أقل من التوقعات التي اعتمدتها الحكومة في ميزانية 2023، بحوالي 75 مليون قنطار.
وقال محمد نظيف، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن “المزارع الصغير يعاني نتيجة سياسة فلاحية متبعة منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، وتفاقمت مع السنوات الأخيرة”. وفي تصريح للأناضول، عبر نظيف عن أسفه لوضعية الفلاح الصغير لأنه يعاني من عدة إشكالات أولها الجفاف، وتساءل “هل أصحاب القرارات قاطنون في المغرب، ويحملون هم الفلاح الصغير، وهل فعلاً يدركون وضعية عيشه؟”.
ودعا الحكومة إلى “إيقاف عمليات التصدير باعتبارها فرصة اغتناء لفئة معينة، وتقديم دعم خاص للفلاح الصغير”. وأردف “نحن نعاني من شح المياه، وكمية كبيرة من المياه يتم الاعتماد عليها في المنتوجات الفلاحية التصديرية، مثل الأفوكادو والطماطم، عوض أننا نوظفه من أجل تحقيق الأمن الغذائي للمغرب”.
وقال أيضاً “نحن نستورد حبوب الطماطم وجميع المكونات من أجل زراعتها، وبعد ذلك نقوم بتصديرها، بحيث إننا نصدر الطماطم وعرق العمال”. وتابع القول “هناك إمكانية تدارك ما يمكن تداركه، لكن يجب أن تكون القرارات بيد أناس يحملون هم الفلاح الصغير، وفعلا لديهم إرادة الإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
وإضافة إلى تضرر الزراعة تضرر الفلاحون الصغار من تداعيات الجفاف على غذاء أغنامهم بسبب تراجع مساحات المراعي.
ويعتمد هؤلاء الفلاحون كثيرا على المراعي، وهو ما يجعل الرهان على الماشية صعب مع استمرار موجة الجفاف.
ووسط انتظار المواطنين لعيد الأضحى، أعلنت وزارة الفلاحة أنه “بلغ ترقيم الأغنام والماعز المعدة للتضحية 2.25 مليون رأس، أي ثلث العدد المستهدف لهذه المناسبة”.
وأضافت “يبلغ عدد الوحدات المحتملة لتسمين وتحضير الأغنام والماعز لمناسبة العيد حوالي 214 ألف وحدة”.
ولكنها أشارت إلى أن الموسم الزراعي 2022/2023 “يتميز بغطاء نباتي مقبول على مستوى المراعي، لاسيما في الجنوب والمناطق الجبلية، رغم بعد توالي سنوات جافة”.
وأكدت أن “قطاع الإنتاج الحيواني شهد تحسنا ملحوظا مقارنة بعام 2022، إثر تحسن الظروف المناخية وتنفيذ برنامج التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية الذي انطلق في مارس2022”.
وأردفت “يضم هذا البرنامج توزيع الشعير المدعم والأعلاف المركبة المدعمة لصالح مربي الماشية، فضلا عن دعم توريد الماشية عبر تهيئة وتجهيز نقاط السقي”.
صغار الفلاحين ومربو الماشية أكبر ضحايا الجفاف المستمر منذ 3 سنوات

تعليقات ( 0 )