على مدى عقود طويلة بقيت العلاقات المعقدة بين الجزائر والمغرب، ملازمة وضع الأزمة المزمنة الصامتة التي تتخللها من وقت لآخر أزمات متفجرة، لكنها تكون عابرة وضمن حدود المتحكم فيه. وحتى خلال أخطر أزمتين مر بهما الجاران اللدودان، أي حرب الرمال (1963) واندلاع النزاع المفتعل حول الصحراء منتصف السبعينيات، لم تكن العلاقات بين البلدين بهذا التردي الذي توجد عليه منذ عامين.
فالصراع المحموم القائم بين أجنحة الجيش لم يعد يهدد فقط استقرار الجزائر، بل أصبح يهدد استقرار كامل المنطقة المغاربية وغرب المتوسط. وقد زاد هذا التهديد جدية خلال العام الذي نودعه، مع خروج الخطاب العدائي للجارة الشرقية عن التحكم، وتهديد قيادتها العسكرية المغرب بالحرب أكثر من مرة.
إعلان القطيعة الثانية
سيدخل صيف العام 2021 التاريخ المضطرب للعلاقات الجزائرية المغربية من بابه الواسع، باعتباره عام القطيعة الثانية خلال 60 عاما من استقلالها. وفي ندوته الصحفية التي خصصها في 24 غشت الماضي، للإعلان عن قطع علاقات بلاده مع المغرب، قال رئيس الديبلوماسية الجزائرية رمطان العمامرة كل شيء على مدى ساعتين تقريبا، لكنه لم يجب عن الأسئلة الحقيقية. فقد كشف بوضوح أن سبب القطيعة هو انتصارات المغرب في صحرائه، بينما لم يقدم دليلا واحدا على “تورط” المغرب في احتضان حركتي “الماك” و”رشاد”. وفي “كشف حساب” الأعمال “العدائية” للمغرب منذ استقلال الجزائر، الذي قدمه العمامرة، ظل يكرر ديماغوجية المؤسسة العسكرية التي سبق أن اتهمت المغرب في افتتاحية عدد مجلتها لشهر يوليو الماضي، بـ “خيانة الجزائر” منذ العام 104 قبل الميلاد، عندما قام “بوخوس” ملك موريطانيا الطنجية (المغرب حاليا) بتسليم يوغرطة ملك نوميديا (يفترض أنها الجزائر حاليا بحسب المجلة) إلى روما لتقتله! [كذا]
إن ما يجري أمامنا من عبث، لا يعدو أن يكون محاولة لتهريب مشاكل الجزائريين المتفاقمة، من الواقع المرير إلى عالم اللامعقول، من خلال نقل الحرائق من الغابات التي خنقها جفاف المناخ، إلى تاريخ مفترى عليه يجري تفصيله على المقاس في الثكنات. ومن خلال القفز على الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي غرقت فيها الجزائر منذ 4 سنوات.
ولذلك لم يستغرب أحد لإعلان رئيس الديبلوماسية الجزائرية عن قطع علاقات بلاده مع المغرب. فبتعبير بيان الخارجية المغربية كان القرار “متوقعا”، بالنظر إلى أن منحى التصعيد تواتَر على مدى الشهور والأسابيع الماضية. لكن ما ليس مفهوما ولا مستساغا للطرف المغربي، هي التبريرات التي قدمتها الجزائر والتي أثار بعضها السخرية في العالم العربي وحتى خارجه. فمن يصدق أن المغرب لم يعد له من شغل حتى يتفرغ لإشعال حرائق بغابات الجزائر؟ وأية مصلحة له في أن تزيد الأوضاع المضطربة أصلا بما يكفي في جارته الشرقية توترا؟
سباق تسلح غير مسبوق
من أبرز التطورات التي افرزها الصراع بين المغرب والجزائر في 2021، زيادة وتيرة السباق المحموم نحو التسلح. فقد ارتفعت واردات كلا الطرفين من الأسلحة بشكل كبير جدا، نتيجة لرغبة كل جانب في ترجيح كفة ميزان القوى العسكري لصالحه.
وتكشف الأرقام المتوفرة في هذا الباب توضح الأمر بشكل جلي، إذ حسب تقرير مؤشر “غلوبال فاير” للعام 2021، يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية بين أقوى الجيوش في إفريقيا بعد الجيش المصري، فيما يحتل الجيش المغربي المرتبة الخامسة في نفس التصنيف.
ويشير تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) من جهته، إلى أن واردات الأسلحة للمغرب والجزائر قد شكلت مجتمعة 70% من إجمالي الواردات الإفريقية من الأسلحة الرئيسية بين 2016-2020. ويرى خبراء ان كون الجزائر كانت أكثر إنفاقا خلال هذا العام، لا يعني أنها الأقوى. فالقوة العسكرية لا تقاس بكثرة السلاح والجنود وحدها. بينما يرى الخبير العسكري والمستشار بالمركز الفرنسي للدراسات والاستخبارات عبد الرحمن مكاوي، بأن إنفاق الجزائر الكبير يمنحها أفضلية خاصة على مستوى السلاح الجوي، حيث اقتنت البلاد دفاعات جوية جد متطورة. وحدثت الجزائر أيضا، بحسب مكاوي، أسطولها البحري الذي يضم سفنا بحرية ذات تكنولوجيا متقدمة.
في المقابل، يقول مكاوي: “اتجه المغرب نحو القوة الذكية ونحو اقتناء الأسلحة التقليدية المتطورة، فاعتمد بالأساس على الكيف ولم يعتمد على الكم”. وبفضل ذلك تمكن الجيش المغربي من تطوير منظومة القيادة والسيطرة. ولعل أبرز مظهر ذلك الصفقة الأخيرة مع إسرائيل من أجل تصنيع طائرات “الدرون” الانتحارية بالمغرب، وتفاوضه معها من أجل الحصول على منظومة القبة الحديدية الدفاعية.
هدوء حذر على الجبهات
هل يأتي عام 2022 بانفراجه سلام، أو على الأقل بهدنة دائمة؟ لا يبدو التفاؤل عند الموعد خلال العام الجديد.
فبعد أسابيع، هدأت الأوضاع قليلا وإن ما زال الرئيسان المدني (تبون) والعسكري (الفريق شنقريحة) للجزائر، يواصلان خرجاتهما المعادية للمغرب.. وحتى إذا كانت جوقة الإعلام الجزائري (وفي مقدمتها الوكالة الرسمية) تواصل نفث سمومها على مدار الساعة، إلا أن المنطقة على الأقل تُنهي العام 2021 من دون أن يكون المغرب قد انجر إلى حرب يرى الخبراء أنها ستكون مدمرة، بسبب تقارب الدولتين في درجات التسلح. وربما لعب فراغ الخزينة الجزائرية الدور الأبرز في منع قيام حرب مجنونة، لا يملك الجاران اللدودان معا موارد مالية لتمويلها.
خلافا لجارته الشرقية، اختار المغرب التسلح بالصبر والصمت وتجنب التصعيد الإعلامي مع الجزائر. لكنه بالمقابل وميدانيا يأخذ التهديدات الجزائرية الأخيرة بإعلان الحرب على محمل الجد، ويتوقع الأسوأ وفي أي وقت من الجارة. ربما تم تفادي اندلاع حرب حتى الآن، لكن وجود قيادة عسكرية على حدودنا الشرقية لا تفكر إلا بمنطق الحسم العسكري، لا يمكن أن يشكل مبعث ثقة. فمن ضمن آخر التحركات الجزائرية، قيام الجزائر منذ أسابيع بتوسيع مطار تندوف المحتلة، وإعداده ليستقبل عشرات الطائرات المقاتلة المتطورة لوضعها في حالة تأهب قريبا من الصحراء المغربية. بينما شرع المغرب من جانبه في نشر وحدات من الدرك الحربي، وفق آخر الأخبار، على طول الحدود مع الجزائر، من أقصى الجنوب الشرقي إلى أقصى الشمال الشرقي، ردا على التصعيد الجزائري الأخير.
لقد كانت بطولة كأس العرب لكرة القدم في قطر خلال الشهر الأخير من العام 2021 قد شهدت مواجهة كروية بين المغرب والجزائر في نصف النهائي، حسمتها ركلات الترجيح لصالح الجزائر. وجاءت العلاقة الودية بين جماهير البلدين دليلا دامغا على أن الأوان ربما لم يفت تماما لتجاوز أحقاد التاريخ وترميم اعطاب الجغرافيا. فهل تحمل سنة 2022 مبادرة سلام بين الجارين المغاربيين الأكبرين؟ لنتفاءل مع ذلك ولنأمل خيرا، فالمعجزات في السياسة ما زالت ممكنة الوقوع…
أبرز محطات الأزمة
18 يوليو– الجزائر تستدعي سفيرها من الرباط، احتجاجا على إعلان سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة عن شعب القبايل.
22 يوليو– رغم نفي المغرب لمزاعم تتهمه بالتجسس على مئات الهواتف، لشخصيات من فرنسا والجزائر والمغرب، بواسطة برنامج تجسس إسرائيلي، الجزائر تدين ما وصفته بـ”الاعتداء الممنهج على حقوق الإنسان” من خلال التجسس ضد بعض مسؤوليها.
18 غشت – الرئاسة الجزائرية تتهم المغرب في بيان، بالضلوع مع إسرائيل في إشعال الحرائق التي التهمت غابات منطقة القبايل.
24 غشت – الجزائر تقطع علاقاتها مع المغرب.
25 أغشت – المغرب يعرب عن أسفه لقرار الجزائر بقطع العلاقات.
22 سبتمبر –الجزائر تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.
31 أكتوبر – الجزائر تعلن عدم تجديد عقد استغلال أنبوب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب، ووقف تزيد هذا الأخير بالغاز.
1 نوفمبر– الرئاسة الجزائرية تتهم المغرب بقتل 3 من سائقي الشاحنات في قصف “بسلاح متطور”، قالت إنه وقع في المنطقة الحدودية بين موريتانيا والصحراء المغربية. وتوعدت المغرب بأن الأمر “لن يمر دون عقاب”.
3 نوفمبر– المغرب يرد بأنه “لن ينجر إلى حرب” مع الجزائر، تعليقا على الاتهامات المجانية بقتل ثلاثة سائقين والتلويح بإعلان حرب على المغرب.
الجزائر.. أسباب القطيعة الثانية والتهديد بالحرب ضد المغرب

تعليقات ( 0 )