تضمن مشروع القانون رقم 10.23 يتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، الذي صادق عليه مجلس الحكومة الأخيرة حزمة من المستجدات، همت مراعاة حقوق السجناء حيث “ضمن لهم الاتصال بمحام من اختيارهم وحق الزيارة وتوجيه الرسائل وتلقيها وحق التطبيب والترفيه وتقديم كل التسهيلات لمتابعة الدراسة والتكوين المهني وحق المزاولين منهم لنشاط منتج في مقابل منصف وحقوق الدفاع بالإضافة إلى مقتضيات تهم الرخص الاستثنائية للخروج بقصد الحفاظ على الروابط العائلية والتهيئ إدماجهم في المجتمع”.
كما تم التنصيص في هذا المشروع، على “معاملة جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني، وعلى فصل الأشخاص المعتقلين احتياطيا عن الأشخاص المدانين، والأحداث عن البالغين”.
كما يشدد مشروع القانون على معاملة المسجونين “معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي”.
وينص المشروع على مجموعة من المقتضيات التي تهم تعزيز الحقوق داخل المؤسسات السجنية، لا سيما ما يتعلق بتأهيل المعتقلين وإعادة إدماجهم وفق مقاربة جديدة ومستجدة تراعي التزام المغرب بتعهداته الدولية وما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتشبثه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وتأكيده على التزامه المطلق بحماية منظومة حقوق الإنسان والنهوض بها، والإسهام في تطويرها.
ومن مستجدات هذا النص القانوني “تعزيز المقتضيات المتعلقة بالقواعد الخاصة لحماية الفئات الهشة المحرومة من حريتها ومراعاة لاحتياجاتها الفردية كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، تيسيرا لها في التأقلم مع ظروف الاعتقال وتهييئها للاندماج السريع في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة المحكوم بها”.
علاج السجناء بالمصحات الخاصة
ويجيز مشروع القانون علاج المعتقلين بالمصحات الخاصة على نفقتهم لكن بشروط تضمنتها المادة 117 التي جاء فيها أنه “لا يجوز إيداع المعتقلين بمصحات خاصة ولو على نفقتهم، إلا بموافقة الإدارة المكلفة بالسجون”.
وتابع المشروع أنه “يجوز للإدارة المكلفة بالسجون، بناء على رأي طبيب المؤسسة السجنية وطلب موقع من قبل المعتقل الترخيص بإيداعه بمصحة خاصة أو بإجراء تحاليل طبية وكشوفات بالأشعة على نفقته. إذا تعذر إجراؤها بالمؤسسات الاستشفائية العمومية”.
ويعطى مشروع القانون الحق لطبيب المؤسسة السجنية في “منازعة قرارات الطبيب المعالج بالمؤسسة الصحية الخاصة بناء على الحالة الصحية للمعتقل ومدى ملاءمتها مع الوسط السجني، وذلك بإحالة الأمر إلى المسؤول عن مصالح الصحة العمومية”.
ويمنح مشروع القانون الحق في إخراج المعتقلين الذين يعانون من أمراض بدنية إلى المؤسسات الاستشفائية العمومية وإرجاعهم منها تحت حراسة موظفي الإدارة المكلفة بالسجون، مع طلب تعزيز الخفر بالقوة العمومية عند الضرورة.
مشروع القانون، يشدد أيضا على “وضع المعتقل في غرفة أو محل معزول تحت حراسة القوة العمومية إذا قرر الطبيب المعالج استشفاءه بالمؤسسة الاستشفائية العمومية “، وهي الشروط نفسها التي تسري على المعتقلين الذين يعانون من أمراض عقلية ممن يتم إيداعهم بالمؤسسات الاستشفائية العمومية لتلقي العلاج، على أن يتم استشفاؤهم وحراستهم طبقا للتشريع المتعلق بالأمراض العقلية.
ويشير المشروع على أن قرارات الطبيب المعالج بالمؤسسة الاستشفائية العمومية يجب أن تكون معللة، ولا يتم الاستشفاء إلا بناء على تعليمات طبية وتشعر بذلك الإدارة المكلفة بالسجون، وإذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي، تعين أيضا إشعار السلطة القضائية المختصة، مضيفا أنه “يجوز لطبيب المؤسسة السجنية منازعة قرارات الطبيب المعالج بالمؤسسة الاستشفائية العمومية بناء على الحالة الصحية للمعتقل ومدى ملاءمتها مع الوسط السجني، وذلك بإحالة الأمر إلى مدير المؤسسة الاستشفائية العمومية أو المسؤول عن مصالح الصحة العمومية”.
بذلة موحدة
وفي ما يرتبط بلباس المعتقلين، فنصت المادة 127 على أن ” توفر إدارة المؤسسة السجنية للمعتقلين في حدود الإمكان بذلا موحدة ومناسبة تتلاءم مع فصول السنة، على أن يخصص للأحداث والنساء لباس يميزهم عن باقي المعتقلين”. وأجاز مشروع القانون إلزام بعض الفئات من المعتقلين بارتداء بذلة خاصة بهم”.
وأضافت المادة المذكورة أنه “يجب عند إخراج المعتقلين من المؤسسة السجنية إلزامهم بارتداء لباس يميزهم. غير أنهم يجب أن يمثلوا أمام السلطات القضائية المختصة بلباسهم المعتاد”، مع جواز توصل المعتقلين بالملابس المسموح بها من خارج المؤسسة السجنية.
المعتقلات الحوامل والمرفقات بأطفال
وفي ما يتعلق بالمرأة السجينة، فقد نصت المادة 118 على اتخاذ الترتيبات اللازمة لتمكين المعتقلات الحوامل من التتبع الصحي المنتظم ومن الولادة في المؤسسات الاستشفائية العمومية، كما أجاز المشروع منح المعتقلات الحوامل “رخصا استثنائية قصد الولادة خارج المؤسسة السجنية طبقا لأحكام المواد 214 و 215 و 216، التي تنظم الرخص الاستثنائية للخروج”.
وحول مرافقة الأطفال داخل السجن، فنص المشروع على استفادة المعتقلات الحوامل والمرفقات بأطفالهن من نظام اعتقال ملائم لوضعيتين، مع التأكيد على أنه “لا تقبل مرافقة الأطفال لأمهاتهم المعتقلات إلا بعد توصل مدير المؤسسة السجنية بالموافقة الكتابية للسلطة القضائية المختصة”، كما “يجوز للأطفال مرافقة أمهاتهم المعتقلات حتى بلوغهم سن الخامسة كحد أقصى، مع ضرورة إشعار “مدير المؤسسة السجنية النيابة العامة المختصة قبل فصل الطفل عن أمه داخل أجل يحدد بنص تنظيمي”.
وينص المشروع كذلك على استفادة “الأطفال المرافقون لأمهاتهم المعتقلات من رعاية خاصة تستجيب لمتطلبات نموهم السليم”، كما “يجب على مدير المؤسسة السجنية اتخاذ التدابير اللازمة مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل”.
رخص وأذون للخروج.. هذه مددها
وبخصوص الرخص الاستثنائية للخروج، فجاء في المادة 214، أنه “يجوز للإدارة المكلفة بالسجون أن تمنح للمعتقلين المدانين الذين قضوا ثلث العقوبة والمتميزين بحسن سلوكهم، إما تلقائيا أو بناء على اقتراح من مدير المؤسسة السجنية رخصا للخروج لمدة لا تتعدى خمسة عشر يوما خاصة بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية أو بقصد الحفاظ على الروابط العائلية”، على أن تشعر إدارة السجن “السلطة القضائية المختصة بهذه الإجراءات الاستثنائية من أجل اتخاذ التدابير اللازمة تفاديا لهروب بعض المعتقلين المدانين أو مغادرتهم للتراب الوطني”.
ويؤكد المشروع على وجوب التزام المعتقل الذي يستفيد من الرخصة الاستثنائية للخروج بالشروط المحددة للرخصة لاسيما الرجوع إلى المؤسسة السجنية عن طواعية في التاريخ المحدد لذلك، مع ضرورة “تسلم وثيقة للمعتقل تثبت استفادته من الرخصة الاستثنائية للخروج”.
وفي حال عدم التحاق السجين بعد انقضاء المدة المحددة في الرخصة الاستثنائية للخروج، فقد نصت المادة 216، على أنه يتعرض لتدابير تأديبية عند إعادة اعتقاله دون الإخلال بالعقوبات الجنائية التي يتعرض لها من أجل جنحة.
ومن الرخص أيضا الممنوحة للمعتقلين “الإذن بالإخراج”، حيث تطرق المشروع في المادة 217 إلى أنه “يجوز للإدارة المكلفة بالسجون أن تأذن للمعتقل بحضور بعض الحصص الدراسية واجتياز الامتحانات ومناقشة بحوث التخرج خارج المؤسسة السجنية، إذا تعذر القيام بها داخليا”، وتابعت المادة المذكورة أنه ” لا يؤذن بالإخراج من المؤسسة السجنية إذا لم تتوفر الإمكانيات المادية والبشرية للمؤسستين السجنية والتعليمية من أجل تأمين حراسة المعتقلين دون إثارة الانتباه لوضعيتهم. يتوقف الإذن بإخراج المعتقل من المؤسسة السجنية على الموافقة المسبقة للسلطة القضائية المختصة إذا كان معتقلا احتياطيا”.
كما يسمح مشروع القانون أن “تأذن الإدارة المكلفة بالسجون بإخراج معتقل من المؤسسة السجنية تحت الحراسة لزيارة أحد أصوله أو فروعه أو زوجته أو إخوته الموجودين في حالة مرض خطير أو لحضور مراسيم جنازتهم داخل النفوذ الترابي للعمالة أو الإقليم الذي تقع فيه المؤسسة السجنية”، مع التشديد على أنه منح الإذن يتوقف على الموافقة المسبقة للسلطة القضائية المختصة إذا كان المعتقل احتياطيا.
آليات وساطة بين المسجونين
ووفق مقتضيات المشروع فإن المؤسسة السجنية هي من تتولى تدبير النزاعات بين المعتقلين غير الخاضعة لأحكام التشريع الجنائي الجاري به العمل، باعتماد آليات الوساطة أو أي آلية بديلة أخرى ملائمة لكل حالة على حدة.
ويلزم القانون الجديد مدير المؤسسة السجنية عند وقوع أي حادث خطير يهدد أمن وسلامة المؤسسة أن يشعر فورا الإدارة المكلفة بالسجون والنيابة العامة المختصة والسلطة المحلية.
يمنع القانون على المعتقل “الاحتفاظ بأي أدوات أو أشياء أو مواد تشكل خطورة على الأمن والسلامة أو تمكن من الهروب من المؤسسة السجنية، تحت طائلة تطبيق العقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي”.
كما يمنع النص التشريعي الجديد “إدخال الأشياء والمواد والأموال ووسائل الأداء والمراسلات إلى المؤسسة السجنية أو إخراجها منها. غير أنه يجوز السماح بذلك طبقا لأحكام هذا القانون والنصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقيه مع إخضاعها للمراقبة من قبل المؤسسة السجنية”.
وبموجب مقتضيات المشروع “يقوم الموظف في غياب المعتقل أو بحضوره بإجراء تفتيش منتظم ودقيق يراعي كرامته بمختلف الأماكن التي يقيم فيها أو يعمل بها أو يدخل إليها”، على أن “تمسك سجلات خاصة تدون فيها عمليات التفتيش ونتائجها وهوية الموظف الذي قام بها”.
ويعطي القانون الضوء الأخضر لموظفي السجون بـ”تفتيش المعتقل في كل وقت وكلما ارتأى مدير المؤسسة السجنية ضرورة لذلك”.
ويوضح المشروع أن تفتيش المعتقل يتم بواسطة الجسر أو باستعمال أجهزة الكشف عن الأشياء والمواد الممنوعة، وعند الضرورة “يفتش جسديا مع نزع الثياب”، غير أن مقتضياته نبهت إلى أنه “لا يمكن تفتيش تجاويف الجسم إلا من قبل أحد مهنيي الصحة العاملين بالمؤسسة المجنية أو موظفين مكونين لهذا الغرض، على أن يتم التفتيش في مكان يحفظ خصوصية المعتقل ويصون كرامته.
ما يجوز ولا يجوز في استعمال القوة
بمقتضى نص القانون، يُمنع على الموظف استعمال القوة تجاه المعتقل إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، أو عند محاولة الهروب، أو عند إلقاء القبض على المعتقل الهارب أو عند المقاومة باستعمال العنف، أو عند عدم الامتثال للأوامر القانونية.
وتابع أنه “في حالة اللجوء إلى استعمال القوة يجب أن يراعى مبدأ التناسب وينحصر في حدود ما هو ضروري للسيطرة على المعتقل.
ويحظر مشروع القانون “استخدام أدوات تقييد الحرية من أصفاد وقيود وقميص القوة لمعاقبة المعتقل إلا استثناء وبأمر من مدير المؤسسة السجنية أو بناء على تعليمات الطبيب”.
وقيد القانون استعمال القوة في حالة أظهر المعتقل “تصرفا عدوانيا أو عنفا جسديا خطيرا تجاه الغير، أو إذا حاول الانتحار أو الاعتداء على نفسه، أو إذا أصيب بنوبة نفسية أو عقلية قد يترتب عليها سلوك يَضر به أو بالغير، إذا لم تتوفر وسيلة أخرى تمكن من السيطرة على المعتقل أو منعه من إحداث أضرار”.
تعليقات ( 0 )