غريبة هي هذه الغطرسة التي يتعامل بها كبار تجار المملكة مع وضعية تموين الأسواق في البلاد. فبينما اعتقدنا أن الأسعار ستذهب نحو الانخفاض، كما وعدتنا الحكومة بذلك، بدا واضحا أن قدرة الجهاز التنفيذي على التدخل لا تتجاوز إصدار القرارات ومطاردة التجار الصغار لمطالبتهم بإشهار الأسعار..حتى وإن كانت ملتهبة من المصدر.
لقد جاء تصريح مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليصب سطلا من الثلج على المغاربة، وهو يعلن شبه “فشل” في دفع المستوردين إلى توفير العجول قصد خفض الأسعار على بعد حوالي أسبوعين من شهر رمضان.
المثير في هذا “العزوف” عن الاستيراد من طرف “التجار الكبار” أن الحكومة قررت وقف استيفاء الرسوم المفروضة على الاستيراد إلى جانب الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة. فماذا وقع؟
الحكومة غير راضية؟
في الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد المجلس الحكومي يوم الخميس، بدا الوزير مصطفى بايتاس متشنجا على غير عادته. وكشف الوزير أنه من 22 أكتوبر وإلى لحدود هذه الندوة، تم استيراد 8 آلاف رأس من العجول، مشيرا إلى أن الحكومة غير راضية عن هذا العدد وتريد رفعه.
هذا يعني أن الرقم الذي تم استيراده منذ دخول هذه القرارات شهر فبراير المنصرم لا يرقى إلى 8000 التي تم تسجيلها خلال 5 أشهر. لذلك، أكد بايتاس على أن الحكومة، تريد تسريع عملية استيراد العجول لخفض أسعار اللحوم أكثر ليكون في متناول المواطنين.
الغريب في هذه التصريحات هي أنها تأتي بينما تفجرت اتهامات لأحد قياديي حزب التجمع الوطني للأحرار بإبرام صفقات بناء على “تسريبات” حصل عليها بخصوص قرب إصدار قرار الإعفاء من الرسوم الجمركية، وهي اتهامات لم تتداول فقط في مواقع التواصل الاجتماعي بل تم الحديث عنها في اجتماع رسمي للمعارضة.
رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، ادريس السنتيسي أكد توفره على معطيات تتعلق بتوصل بعض المستوردين الكبار بخبر عزم الحكومة على إلغاء الضريبة على القيمة المضافة على استيراد الأبقار وإلغاء شرط الوزن الذي كان محددا، قبل الإعلان الرسمي عن هذا القرار.
وقال السنتيسي في ندوة صحفية لفرق المعارضة بمجلس النواب، “واش كتعرفو كاين شي بقر للي ركب فالباخرة قبل ما يصدر المرسوم”، مضيفا في الإطار ذاته “كاين بعض المستوردين للي مشاو للبرازيل، وكل واحد فين مشا كيجري”، في إشارة منه إلى انفتاح بعض المستوردين الكبار على أسواق جديدة قبل صدور مرسوم الحكومة.
من جانبها سارعت الحكومة إلى الرد على هذه الأخبار، من خلال تصريحات الناطق باسمها. لكن الموضوعية تقتضي أن نقول بأن حصول المستوردين الكبار على هذه الأخبار من باب المسلمات، على اعتبار أن الهيئات التمثيلية لهم جالست الحكومة عبر وزارة الفلاحة وفاوضت بقوة من أجل اتخاذ هذا القرار على أساس أنه الحل السحري لهذه الأزمة.
لهيب رغم الاستيراد
ربما الذي وقع في قضية رفع رسوم الاستيراد يدخل في باب “تبياع العجل للحكومة”. فكيف للأخيرة أن تبادر إلى اتخاذ قرار كهذا، وتروج له بأنه الحل لخفض الأسعار، ثم تجد نفسها أمام مأزق حقيقي، عاجزة على توفير اللحوم في الأسواق بشكل يجعلها في المتناول ونحن على أبواب شهر رمضان الذي يرتفع فيه الاستهلاك.
ثانيا، هل تملك اليوم الحكومة آليات مراقبة دقيقة وصارمة لنعرف مآل العجول المستوردة والمستفيدة من الإعفاء الضريبي، وهل تم إعادة بيعها لعموم المستهلكين بسعر منخفض يعكس تكاليفها المنخفضة؟
طبعا نطرح هذه الأسئلة، لأن هناك بعض الأوساط التي تتحدث عن وجود عمليات مضاربة وتحكم في حجم الاستيراد، بالشكل الذي يجعل الأسعار تبقى مرتفعة في حدود معينة. ذلك أن استيراد أعداد كبيرة من العجول سيؤدي بشكل طبيعي إلى انخفاض الأسعار لأن العرض سيفوق الطلب، وهو الأمر الذي لن يسمح به كبار التجار.
أيضا، وجب الانتباه إلى أن جزء كبيرا من تجار اللحوم بالتقسيط لا يلجؤون إلى قنوات التسويق المهيلكة، ما يجعل جزء مهما من هذه العجول توجه نحو الشركات المتخصصة في المجال، والتي بطبيعة الحال ستنخفض تكاليف إنتاجها وترتفع بشكل لافت أرباحها في ظل استمرار نفس مستويات الأسعار.
إننا اليوم أمام واقع لا يرتفع، يسود فيه سوء تدبير ملف حارق. فمشكلة الحكومة اليوم أنها تدخل في مفاوضات مع اللوبيات الاقتصادية وترضخ لمطالبهم دون أن تسائلهم عن المقابل، ودون أن تقوم بدراسة أثر هذه الإجراءات. فقبل أن تلجأ إلى إعفاء العجول من الاستيراد، ربما كان على الحكومة أن تأخذ ضمانات واضحة والتزامات تعاقدية مع المستوردين حول الأعداد التي سيتم استيرادها، مع تحديد التواريخ وقنوات التسويق وتشكيل لجان لمراقبة هذه العملية.
غير أن الذي وقع هو أنه تم إصدار قرار بالإعفاء، وتركنا كبار الشناقة يتحكمون في الجرعات التي ستطرح في الأسواق، بالشكل الذي سيجعل أرباحهم ترتفع بشكل لافت، بدل أن يتم التفكير أولا وقبل كل شيء في ذلك المستهلك الذي يضرب ألف حساب قبل أن يطلب من الجزار “شي رويبعة” من اللحم الأحمر.
تعليقات ( 0 )