يقول العلماء إن إعادة الإغلاق أصبحت ضرورة حتمية، لمواجهة سلالة “أوميكرون” من فيروس كورونا. لكن ظروف الاقتصاد والسياسة العالميَيْن تجعل تنفيذ إغلاقا جديدا صعبا هذه المرة. ففي سياق الانتشار المتسارع للمتحور الجديد، تطرح قضية فرض إغلاقات جديدة انقسامات حادة داخل العديد من الدول، سيما بين دول الاتحاد الأوروبي، في وقت يصرخ العلماء بضرورة التحرك بسرعة لإنقاذ العالم من كارثة.
فهل يدشن العالم عامه الجديد بإغلاق شامل جديد، أم يطل على كارثة عمل جاهدا على مدى عامين من أجل تفاديها؟؟
الفيروس ينتشر بسرعة
الدليل على قدرة متغير أوميكرون على إحداث فوضى عالمية، هو قدرته الكبيرة على الانتشار بسرعة فائقة. فالدراسات التي أجريت حول هذا المتغير تنقل رسالة مقلقة وواضحة: الحجة العلمية لفرض مزيد من القيود ثابتة، وليست قوية فقط. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تُظهر الدراسات أنه بدون إجراء صارم وسريع للحد من تفشي كورونا، فإن وكالة الخدمات الصحية العامة الحكومية سوف تواجه أزمة. فالطفرات الكبيرة في متحور أوميكرون جعلته سريع الانتشار، وأكثر مقاومة للقاحات، بحسب ما يؤكد علماء الفيروسات في إمبريال كوليدج اللندني.
وحتى مع وجود أجسام مضادة في الجسم بعد أخذ جرعة لقاح فايزر، الذي يعد أشهر اللقاحات في العالم، فإنه أقل فاعلية بمقدار 41 مرة ضد أوميكرون منه ضد فيروس Covid-19 الأصلي. وقد أظهرت بيانات طبية أخرى من جنوب إفريقيا، بأن أوميكرون ينتشر كالنار في الهشيم، ويتضاعف حجم انتشاره كل يومين إلى ثلاثة أيام.
بينما كشفت وكالة الأمن الصحي البريطانية، من جانبها، بأن تلقي جرعتين من لقاح كورونا لم تفعلا شيئا يذكرـ للوقاية من العدوى بأوميكرون المصحوبة بأعراض. لكنها لفتت إلى أن الجرعات المعززة ترفع الحماية إلى حوالي 70 ℅. وأظهر تقرير لإمبريال كوليدج بأن الجرعة المعززة، توفر حماية من أوميكرون بنسبة 80-86 ℅، في ما يتعلق بالحاجة للعلاج في المستشفى.
والنتيجة هي أن معدلات الذهاب للمستشفيات للأشخاص الذين تلقوا جرعات معززة، يمكن أن تكون أعلى أربع مرات مع أوميكرون.
رغم ذلك، تعطي البيانات القادمة من جنوب إفريقيا بعض الأمل، في ما يتعلق بخطورة المتحور، حيث انخفض عدد مرات دخول المستشفى مقارنة بالموجات السابقة. لكن الباحثين لم يجدوا أي دلائل نهائية تدل على أن أوميكرون أكثر اعتدالا من دلتا.
ومع ذلك، ثمة أخبار جيدة، حيث تشير الأبحاث المختبرية بجامعة كامبريدج البريطانية، إلى أن أوميكرون قد يكون أقل فاعلية في مهاجمة الرئتين من دلتا.
إغلاقات جديدة “ضرورة”
لكن الوثائق التي أصدرتها لجنة الاستشارات الصحية للحكومة البريطانية، يوم السبت الماضي، كشفت ضمن سيناريوهات تفشي المرض، أنه ستكون هناك زيادة في دخول المستشفيات بسبب أوميكرون، حيث من “المرجح بشدة” أن تستقبل إنجلترا ما بين 1000 إلى 2000 حالة دخول يوميا إلى المستشفى، بحلول نهاية شهر ديسمبر2021. وستصل ما لا يقل عن 3000 حالة دخول إلى المستشفى يوميا في ذروة الموجة القادمة الشهر المقبل.
ولذلك يرى العلماء بأنه “لمنع مثل هذا السيناريو، يجب تنفيذ إجراءات أكثر صرامة قبل بداية عام 2022″، لأن من شأنه أن يعطي مزيدا من الوقت حتى تصبح جرعات اللقاحات المعززة سارية المفعول. وطوال فترة الوباء، شدد العلماء على أهمية التحرك بسرعة كلما زاد عدد الحالات. وقد أصبح هذا الأمر صحيحا بشكل مضاعف، مع الانتشار المتسارع لفيروس أوميكرون، إذ يقول العلماء إن إقرار إجراءات مثل الإغلاقات يعد أمرا بالغ الأهمية، بالنظر إلى سرعة انتشار المتحور الجديد.
وحتى لو تأكد أن هذا المتغير أقل ضراوة من دلتا، إلا أن سرعة انتشاره مع مقاومته اللقاحات يعني أنه بدون إجراءات احترازية صارمة، فإن عدد المصابين سيكون كبيرا جدا، مقارنة بموجات المتحورات السابقة. وهذا يعني ارتفاع حالات دخول المستشفيات وأعداد الوفيات. لكن بالنسبة لرجال الاقتصاد والسياسة، فإن دعوات العلماء لاتخاذ إجراءات احترازية صارمة
جديدة بما فيها الإغلاقات، لا تجد قبولا في كثير من البلدان.
وفي أثناء ذلك، تعمل الحكومات في الدول الثلاث إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، على تسريع الجرعات المعززة لمواطنيها، حيث تتراكم الأدلة العلمية على أن جرعتين من اللقاح غير كافيتين لوقف العدوى، على الرغم من أن اللقاحات يبدو أنها تقلل من خطر الاستشفاء والأمراض الخطيرة. في غضون ذلك، من الواضح أن هناك انقساما داخل الاتحاد الأوروبي، حول الإجراءات الاحترازية المطلوبة لمواجهة أوميكرون، حسبما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
انقسام حول الإغلاقات
هكذا، وبينما يمكن للهولنديين الآن دعوة ضيفين فقط إلى منازلهم، كجزء من إغلاق جديد فرضته حكومة بلادهم، فإن فرنسا ودول جنوب أوروبا يبدو أنها متحفظة على فكرة الإغلاقات. وأصبحت هولندا أول دولة في أوروبا تعود إلى حالة الإغلاق الكامل وسط مخاوف من أن العدد المنخفض نسبيا لأسرّة وحدات العناية المركزة سوف يمثل مشكلة للبلاد.
وفي الدنمارك، حيث كانت الكمامات والقيود الاجتماعية الأخرى قد اختفت بفضل حملة التطعيم الناجحة، تم الآن إغلاق دور السينما والمتنزهات الترفيهية وحدائق الحيواناتـ وغيرها من المؤسسات مرة أخرى، بعد أن سجلت الدنمارك الآن أكثر من 9000 حالة جديدة يوميا، وهو واحد من أعلى معدلات الإصابة في العالم.
وفي لندن، ارتفع عدد حالات كورونا بنسبة 30℅ الأسبوع الماضي، وأعلن رئيس بلدية لندن حالة الطوارئ. بينما تراقب الولايات المتحدة بعناية بريطانيا والدنمارك، بحثا عن أدلة لما قد يحدث لديها، لأن كلا البلدين جيد في تتبع المتحورات. وعلى النقيض من ذلك، استبعدت فرنسا عمليات الإغلاق أو حظر التجول أو الإغلاق، في قارة يتم فيها الإعلان عن قواعد جديدة لـلوباء يوميا لمواجهة الانتشار السريع لمتغير أوميكرون.
أما فرنسا التي تعتبر نفسها “استثناء أوروبيا”، فترفض الإغلاق بشدة وتراهن– ومعها إسبانيا وبدرجة أقل إيطاليا – على أن التغطية العالية للقاحات مع توسيع الجرعات المعززة، ستكون كافية لإبقاء متحور أوميكرون قابلا للسيطرة، عكس الموقف في هولندا والدنمارك وبريطانيا، التي تتوجه نحو تشديد الإجراءات وفرض إغلاقات جديدة. والحق أن لدى كل من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا حالات إصابة بكورونا أقل بالنسبة لعدد السكان، مقارنة ببعض جيرانهم الشماليين، على الأقل في الوقت الحالي.
وفي فرنسا، قالت الحكومة إنه من المحتمل أن يتسبب أوميكرون في مئات الحالات، وأنه سيكون البديل السائد عن متحور دلتا بحلول أوائل الشهر المقبل، حيث زاد عدد الحالات 23℅ عن المتوسط قبل أسبوعين.
أما في إيطاليا، فتدرس الحكومة فرض إجراءات جديدة وسط مخاوف بشأن أوميكرون. لكن رئيس الوزراء ماريو دراجي قال الإثنين إنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي، في وقت ركزت الحكومة على حملة التلقيح وجعلتها أولوية وطنية.
علماء العالم وحكوماته منقسمون.. هل يتجه العالم نحو الإغلاق الشامل الثاني بسبب “أوميكرون”؟

تعليقات ( 0 )