بعد شذ وجذب استغرق سنوات، تنقل خلالها فرقاء الصراع الليبي وعرابوهم بين مؤتمرات المصالحة العلنية وجلسات المفاوضات السرية، تأجلت أخيرا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية، التي كان مقررا تنظيمها في بعد غد الجمعة، إلى أجل غير محدد. وبذلك تدخل بلاد عمر المختار مجهولا جديدا..
تأجيل غير مُعلن عنه
وبقدر ما يعكس انسداد الأفق السياسي هذا حجم التمزق الليبي، بقدر ما يُعَمّق المخاوف حول مستقبل هذا البلد المغاربي الجريح، الذي تكالبت عليه المؤامرات والأطماع الخارجية من كل جانب، منذ ثار قبل عقد على دكتاتورية الأربعة عقود.
لكن الأغرب أن لا أحد من المسؤولين الليبيين، أعلن‒حتى الساعة‒ عن تأجيل الانتخابات التي طال انتظارها، وكانت آمال الليبيين معقودة عليها، لإخراج بلدهم من حال التمزق العميق الذي انتهى إليه، في أعقاب عقد دموي. فمن الواضح أنه ليست هناك مؤسسة ليبية، مستعدة لتحمُّل مسؤولية إعلان هذا التأجيل بشكل رسمي. خصوصا أن كلا من المفوضية العليا للانتخابات وبرلمان طبرق (شرق)، يتقاذفان مسؤولية القيام بذلك ويحيلها إلى الطرف الآخر.
لقد كان من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية بعد غد الجمعة، ثم البرلمانية بعدها بـ52 يوما. لكن 17 مرشحا للانتخابات الرئاسية، دعوا ‒على نحو مفاجئ‒أول أمس الإثنين، المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، إلى تقديم توضيحات حول أسباب عدم إجراء الاقتراع الرئاسي في موعده المحدد. وهو ما يشكل اعترافا ضمنيا بأن ليبيا لن تشهد انتخابات رئاسية بعد غد الجمعة.
وفي رده على ذلك، قرر رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، حل اللجان الانتخابية التابعة لمكاتب المفوضية التي يرأسها، وطالب بالعودة إلى الوضع ما قبل تنفيذ خطوات العملية الانتخابية، وبحل اللجان الانتخابية في مكاتب الإدارات الانتخابية وإنهاء عملها. وهو ما يؤكد عمليا استحالة إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده.
وقبل ذلك، سبق لعدد من المسؤولين الليبيين أن توقعوا استحالة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، بسبب عدم وجود لائحة رسمية للمترشحين، واستمرار الخلافات بين الأطراف السياسية المعنية بالعملية حول القاعدة القانونية للاقتراع.
ليبيا إلى أين؟
يُذكر أن ليبيا تحاول منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تجاوز عقد من الفوضى، اتسم في السنوات الأخيرة بوجود قوى متنافسة في شرق وغرب البلاد، ومن ورائها قوى خارجية (عربية وغير عربية) لم تتوقف عن دق أسافين الحقد بين الليبيين. وكان حوار سياسي بين الفرقاء الليبيين وبرعاية الأمم المتحدة بجنيف، في فبراير الماضي، انتهى إلى تشكيل سلطة سياسية تنفيذية موحدة، مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، اللتين حددت لهما ميعادين على التوالي في ديسمبر 2021، ويناير 2022. لكن مفوضية الانتخابات الليبية أعلنت مطلع الشهر الجاري، عن تأجيل نشر “القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة” الليبية، بسبب ما قالت إنها “متطلبات فنية وقضائية” لم توضح طبيعتها.
وبانسداد الأفق السياسي في وجه عملية الاحتكام لصناديق الاقتراع لتنفيس الأزمة، يطرح السؤال الكبير والمخيف نفسه مرة أخرى: إلى أين تتجه سفينة الوطن الليبي الممزق؟
في أعقاب فشل تنظيم انتخابات رئاسية، عاد شبح الحرب وأصوات الرصاص إلى ليبيا مرة أخرى، في ظل استمرار دعم القوى الخارجية للمترشحين المتنافسين. وفي ظل الموقف المتوتر للغاية في البلاد، يبدو أن ما حذر منه كثيرون قد بدأ يتجسد بالفعل على الأرض، وذلك بعد سيطرة قوات تابعة لصلاح بادي (وهو قائد عسكري بغرب ليبيا) بالتحالف مع قوات أخرى من مصراتة، الخميس الماضي، على مقرات حكومة الوحدة الوطنية (في طرابلس) التي يرأسها عبد الحميد الدبية (وهو كذلك أحد المرشحين للرئاسة).
وما يدعو أكثر إلى القلق على ليبيا خلال المرحلة القادمة، هو أنه منذ سيطرة قوات بادي على مقرات الحكومة والمجلس الرئاسي، تدور اشتباكات متقطعة في العاصمة طرابلس، حيث تسمع أصوات إطلاق النيران على فترات. في وقت كان بادي قد وجه تهديدا (في شريط فيديو) باستخدام السلاح للسيطرة على جميع مؤسسات الدولة في طرابلس ومصراتة، وفرض عدم إجراء أية انتخابات مستقبلا. مهددا المبعوثة الأممية إلى ليبيا قائلا: “ليبيا لن تستمر بهذه المهزلة، وعلى ستيفاني ويليامز (المبعوثة الأممية إلى ليبيا) أن تعرف حدودها، ولن تمرر أي اتفاق مع مدينة مصراتة دون الرجوع لقادة الثوار في المدينة”.
بعد تأجيل الانتخابات.. ليبيا نحو المجهول من جديد!

تعليقات ( 0 )