سيظل مطلب المشاركة السياسية لمغاربة العالم، وبشكل أدق التمثيلية في المؤسسة البرلمانية من خلال التصويت والترشح انطلاقا من بلدان الإقامة، يتصدر النقاش السياسي كلما اقتربت المواعيد الانتخابية، وسط فشل حزبي في تنزيل مقتضيات الدستور التي تنص بشكل واضح على هذا الحق.
قبل الانتخابات بشهور، طافت مجموعة من الأحزاب وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، في عدد من بلدان إقامة مغاربة العالم من أجل خلق التنسيقيات والفروع استعدادا لكل مستجد. ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأ النقاش حول تفعيل حق التصويت والترشيح.. لكن يبدو أن الأمور ذهبت عكس ما تشتهيه رياح عدد من الفاعلين في أوساط الجالية المغربية.
الواضح اليوم أن جميع الأحزاب متفقة على ضرورة تفعيل حق المشاركة السياسية لمغاربة العالم.. والواضح أيضا أن عدد من الأحزاب قدمت مقترحات قوانين من أجل تفعيل هذا المقتضى الدستوري.. لكن المؤكد، هو أن جميع الأحزاب بالرغم من إجماعها أغلبية ومعارضة، فشلت في تحويل خطاباتها ووعودها إلى واقع ملموس.
حق مؤجل
ينص الفصل 17 من دستور 2011 على أنه “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة”.
اليوم، وبعد مرور أزيد من 10 سنوات على اعتماد الوثيقة الدستورية، وتنظيم مجموعة من الاستحقاقات الانتخابية، يبدو أن تفعيل حق المشاركة والتصويت في الانتخابات انطلاقا من بلدان الإقامة يصطدم بعوائق حقيقية تستلزم فتح نقاش سياسي صريح من أجل إيجاد إطار للمشاركة، ولو بشكل تدريجي.
وهنا نتذكر بعض المقترحات التي أشارت إلى إمكانية تمثيلية أفراد الجالية المغربية في الخارج داخل مجلس المستشارين، أو ضرورة ترشيح الكفاءات المغربية بالخارج لتولي بعض المناصب في المؤسسات الوطنية، لاسيما تلك التي تدخل في خانة مؤسسات الحكامة والتفكير الاستراتيجي والاستشارة.
على مستوى وزارة الداخلية يبدو أن شكل عملية التصويت لم يتبلور بشكل واضح خلال الحكومتين السابقتين. ونتذكر هنا موقف وزير الداخلية السابق محمد حصاد الذي سبق أن رفض مقترحات برلمانية بخصوص تصويت الجالية انطلاقا من بلدان الإقامة.
وأكد محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، أن “إقامة هذه المكاتب غير ممكنة؛ فمثلا في “إسرائيل، التي يوجد فيها حوالي 800 ألف مغربي، لا يمكن الحديث عن إقامة مكاتب للتصويت”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر سيطرح إشكالا كذلك في الولايات المتحدة”.
لكن هذه المبررات قد لا تتجاوز المستوى التقني لتدبير الملف، في حين أن مسألة المشاركة ترتبط بقرار سياسي تبقى الأحزاب السياسية معنية به بشكل مباشر. ذلك أن الأخيرة، وعلى الرغم من خطاباتها، فشلت فشلا ذريعا في تأطير مغاربة العالم، بل وتركت فئة منهم عرضة للاستغلال من طرف بعض التنظيمات المتطرفة، سواء بالمعنى الديني أو السياسي للتطرف، وهو الأمر الذي تظهر بعض التقارير والدراسات.
عزوف سياسي
من الواضح أن فشل الأحزاب في تفعيل الحق الدستوري للمشاركة السياسية، وعدم قدرتها على التأطير السياسي لمغاربة العالم، باستثناء حضور بعضها بشكل مناسباتي و”فلكلوري” لا يتجاوز خلق تنسيقيات وفروع ميتة من الأصل، ساهم بشكل لافت في تنامي مستوى عزوف أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج عن المجال السياسي.
ففي الوقت الذي ارتفعت الأصوات المطالبة بضمان التمثيلية السياسية لمغاربة العالم داخل المؤسسة التشريعية، كشفت دراسة أنجزتها نزهة الوافي، الوزيرة المنتدبة السابقة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، سنة 2017 عن معطيات صادمة بشأن اهتمام الجالية المقيمة بالخارج بالممارسة السياسية في البلاد.
وكشفت معطيات أطروحة الدكتوراه التي ناقشتها الوافي في موضوع “المواطنة العابرة للحدود للمهاجرين المغاربة”، أن 76 بالمائة من المستجوبين عبروا عن رفضهم المشاركة في الانتخابات. وتوضح المعطيات التفصيلية لهذا الرقم أن 73 في المائة من الذكور و82.1 في المائة من الإناث عبروا عن عدم رغبتهم للمشاركة في الانتخابات التشريعية، بل لم يسبق لهم أن شاركوا قط في أي انتخابات في المغرب، مقابل 27 بالمائة فقط من الذكور و21 بالمائة من الإناث من المستجوبين الذين سبق لهم أن شاركوا في عملية التصويت بالانتخابات، وعبروا عن رغبتهم بالاستمرار في ذلك.
وتوضح الدراسة 76 بالمائة من المزدادين بالخارج عبروا عن رفضهم المشاركة ووجود ممثلين من الجالية المغربية داخل البرلمان، مقابل 63,3 بالمائة من المستجوبين المزدادين بالمغرب. كما أن تتبع أشغال البرلمان المغربي من طرف مغاربة العالم الذي لا تتجاوز 5 بالمائة بالنسبة للجلسات العادية و20 بالمائة بالنسبة للجلسات الشهرية لرئيس الحكومة.
ومن أبرز المعطيات المثيرة التي جاءت بها هذه الدراسة هي أن أغلب المستجوبين (64.5 في المائة) لا يتوفرون على أية معلومة حول الأحزاب السياسية. وسجلت الوافي في هذا السياق أن 14 بالمائة فقط ممن تعرف على الحزب الذي يترأس الحكومة، حزب العدالة والتنمية، و7,9 بالمائة فقط من المستجوبين تعرفوا على حزب الاستقلال، و2,6 بالمائة من الفئة المستجوبة تعرفوا على الاتحاد الاشتراكي و1,9 بالمائة تعرفوا على الحركة الشعبية، و0,8 بالمائة تعرفت التجمع الوطني للأحرار.
وفي وقت عبر 52.8 في المائة من المستجوبين عن رفضهم لأية علاقة مع الأحزاب السياسية، تشير المعطيات ذاتها إلى أن 18.9 في المائة فقط، هم من تعرفوا على آخر انتخابات أجريت بالمغرب، وأن 29,8 في المائة عبروا على أنهم لم يتعرفوا على الأحزاب السياسة الثلاثة في المغرب حسب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وعن علاقة قرار التمثيلية داخل المؤسسة التشريعية بالوطن، ذهب 61,9 بالمائة من المستجوبين إلى أن تفعيل التمثيلية السياسية للمغاربة بالخارج لا تؤثر على الارتباط بالوطن، وأن 38,1 بالمائة فقط اعتبروا أن قرار التمثيلية السياسية سيؤثر على علاقة فئة المغاربة المقيمين بالخارج بوطنهم.
تعليقات ( 0 )