أمام ذهول المؤسسات المالية للمملكة، وعلى رأسها بنك المغرب ومكتب الصرف، حطم مغاربة العالم أرقاما قياسية على الصعيد الدولي في تحويلاتهم المالية إلى المملكة، وإلى حد الآن، لم يجد والي بنك المغرب ومعه مختلف المسؤولين الماليين بالمملكة أي تفسير دقيق لهذا “الشلال” المهم من العملة الصعبة، والذي مكن المغرب من تحقيق نوع من التوازن في احتياطاته بعد أزمة خانقة نتيجة تراجع مداخيل السياحة.
وفي وقت يتم الحديث عن بعض التفسيرات، من قبيل تراجع التحويل عبر القنوات غير الرسمية أو التأثير المفترض لتبادل المعطيات الضريبية بين المغرب والدول الأوروبية، تبدو كل محاولات تفكيك الظاهرة عاجزة، بالرغم من العنوان الكبير لسلوك مغاربة العالم وهو الارتباط الوثيق بالوطن الأم.
فقد أثبتت أزمة “كورونا” كيف تجند مغاربة العالم وتعبئوا من مختلف مواقعهم من أجل الوقوف إلى جانب بلدهم.. تعبئوا من أجل مساعدة أسرهم التي عانى أفرادها من توقف اضطراري عن العمل.. كما تجندوا لتقديم الخبرة والمشورة.. وتجندوا، بشكل مذهل، ليكون المغرب ضمن أولى الدول التي تحصل على حصصها من اللقاحات.
في مختلف دول العالم.. وفي مختلف مواقع المسؤولية والخبرة التي يحتلها عدد كبير من الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، يظل هاجس الارتباط بالوطن الأم حاضرا بقوة، حتى بالنسبة لأولئك الذين ازدادوا خارج أرض الوطن، وحتى بالنسبة لمن لم يسبق لهم حتى أن زاروا الوطن..
هي روح “تامغرابيت” تسكن أبناء الوطن أينما حلوا وارتحلوا، على الرغم من الظروف الصعبة التي قد تحيط سياقات الهجرة في بلدان الاستقبال.. من الإسلاموفوبيا إلى التخويف من الهجرة من طرف قوى اليمين المتطرف.. لكن يبقى للمغاربة قدرة هائلة على التأقلم، بل حتى على الاندماج بسلاسة في مجتمعات الاستقبال، وانتزاع مواقع في مراكز مؤثرة في صناعة القرار.
وعلى الرغم من “القوة الناعمة” التي توفرها الجالية المغربية، لم تستطع أي من الحكومات المتعاقبة على الخروج باستراتيجية واضحة المعالم من أجل استقطاب وتعبئة الكفاءات.. باستثناء تنظيم ملتقيات ومنتديات بطابع “احتفالي”، لا يغوص في عمق الأسئلة المطروحة، وكيف يمكن للمملكة أن تجعل من هذا الرأسمال آلية للمساهمة في التنمية.
لقد أثبتت جائحة فيروس “كورونا” حاجة المغرب إلى خبرات أبنائه، وهو الأمر الذي انتبهت إليه الدولة بشكل واضح من خلال توجيهات الملك محمد السادس.. سواء من خلال تركيبة أعضاء لجنة النموذج التنموي، أو من خلال إشراك الخبرات المغربية في الخارج في عدد من المشاريع العملاقة.. وعلى رأسها مشروع مصنع اللقاحات الذي انخرط فيه الخبير المغربي سمير ماشور بكل ثقله حتى تحقق بلادنا والقارة الإفريقية الاكتفاء الذاتي في مجال اللقاحات.
تعليقات ( 0 )