صفقة سياسية سمعت أصداؤها في معظم أنحاء ليبيا، تم وفقها تنحية رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، الشخصية المسؤولة عن كل ما يتعلق بعصب الاقتصاد الليبي، من النفط والغاز وكيفية استخراجه وتصديره وصرف عائداته.
لكن المثير للاهتمام أن الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت دورًا بارزًا في الأزمة من دعم الجيش الوطني الليبي ماليًا وعسكريًا، ومن ساهم في دعم عدوان المشير خليفة حفتر على طرابلس عام 2019، هي نفسها من دفع بهذه الصفقة السياسية العميقة، بالمشاركة مع المشير الحربي ورئيس حكومة الوحدة المنتهية الصلاحية، عبد الحميد الدبيبة.
فالدبيبة من جانبه كان على شفى السقوط، أو الدخول في اقتتال طويل الأمد مع الجماعات المسلحة الموالية للحكومة الموازية بقيادة فتحي باشاغا، والتي تحاول السيطرة على مؤسسات الدولة في طرابلس، وناهيك عن ذلك، كان الدبيبة يواجه ضغوطات كبيرة بسبب اصطفاف العديد من الأجسام السياسية وراء هذه الحكومة الجديدة، الأمر الذي كان يشبه العزلة بشكل أو بآخر، ليطلق بعد ذلك بوادر التطبيع ويحقق أول بند في الصفقة الإماراتية، والتي تمثلت في تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، ورئيسها.
فيقوم بتعيين فرحات بن قدارة، محافظ البنك المركزي سابقًا في عهد القذافي، رئيسًا للمؤسسة، الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا لكون، فرحات، يعتبر أحد المقربين من المشير حفتر، ما يثبت عجز الدبيبة وخضوعه، لتسليمه منصبًا سياديًا كهذا لأحد حلفاء حفتر.
ومن جانبه أوعز حفتر للمحتجين وأعيان والمسؤولين عن الإغلاقات النفطية التي ضربت عددًا من الحقول النفطية الهامة في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بالإفراج عن هذه الحقول وإعادتها إلى الخدمة، ما شكل ضربة موجعة أيضًا لصنع الله، الذي يحاول يائسًا الإستنجاد بـ”شركائه” في الغرب لإعادته إلى منصبه.
وفي ظل هذه الأحداث المتزاحمة نعلم أن الحكومة الموازية الملكفة من قبل البرلمان، بقيادة فتحي باشاغا، باركت فتح النفط ولم تعترض على إقالة صنع الله، الأمر الذي اعتبر كأنه نوع من التماهي أو أن الحكومة “مُنعت” من أن تصدر بيانًا تعترض فيه، فالمشهد السياسي ليس حافلًا بالكثير، ولكن باشاغا محسوب في صف خليفة حفتر، الذي ينفذ مصالح الإمارات في ليبيا، وبالتالي فإن الإستنتاج الوحيد الذي يمكن احتسابه، هو تخلي حكومة البرلمان الجديدة عن طموحها في استبدال الدبيبة.
بينما مصطفى صنع الله تحدث علنًا عن محاولات الدبيبة لتمرير صفقات نفطية لأبو ظبي، وكان على علم بأن رفضه سيصل به إلى الهاوية، فلا يخفى على أحد تدخلها الحاد وشبه المباشر في العدوان على طرابلس، لتحقيق مصالحها في هذا البلد الغني بالنفط، وها هي الآن تُزيح أحد الشخصيات التي كانت سابقة منيعة ولا يمكن المساس بها، من أجل السيطرة على الثروات النفطية في البلاد، مستغلة العجز والانسداد السياسي، وحاجة كل من الطرفين المتحاربين للدعم.
وحتى أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبدي استيائها الشديد من تغيير “تابعها المخلص” مصطفى صنع الله، لأنه تم وعدها برفع الحصار النفطي في البلاد، وزيادة الصادرات في المستقبل القريب، مقابل تمرير هذه الصفقة المربحة لأبوظبي، وهو ما يحصل بالفعل، ولكن تبعات صفقة كهذه تؤكد بأن الليبيين لا يحظون بحق تقرير مصيرهم، وبأنه لا يوجد كلمة حق في ليبيا، بل صفقات وتبادل منفعة بين الساسة وداعميهم، والوضع المعيشي مستمر في التهاوي لأن من كان يفترض به إرضاء الشعب للوصول إلى السلطة، أكفاه رضا الإمارات أو الغرب عنه.
تعليقات ( 0 )