تناولت جلسة مجلس النواب البوم الاثنين موضوع حضور رئيس الحكومة في إطار اللقاء الشهري لهذا المجلس معه. وكالعادة ظهرت نرفزة كبيرة في أغلب المتدخلين من صفوف الأغلبية التي تكفلت بالرد على تدخلات المعارضة. الحضور الشهري ينظمه الدستور والقانون الداخلي للمجلس وسبق للمجلس الدستوري أن تتطرق لهذا الموضوع.
من تابع ما دار في بداية الجلسة البرلمانية يتبين له أن الممارسة السياسية لا زالت هجينة لدينا. نعتمد قوانين كثيرة ونعبر عن التشبث بالحوار الديمقراطي بين المؤسسات ومع المواطنين، ولكننا نعيش بثقافة سياسية فقيرة تعتمد السير وراء التوجيهات والدعم غير المشروط للانتماء الحزبي والقبلي والمصلحي وبالطبع لكل الوسائل التكتيكية السياساوية. أن ينص الدستور في المادة 100على خلق جو يضمن جودة العمل البرلماني ويعطي للمحاسبة السياسية معنى حقيقيا ثم يربط القانون الداخلي تنزيل المضمون بشروط فذلك غير مجد. حين يأتي رئيس الحكومة للبرلمان، فإن ذلك يضمن تواصلا مباشرا مع رئيس السلطة التنفيذية. ولكن ثقافة ممارسة السياسة تحكمها هموما أخرى. وهكذا جاء القانون الداخلي لمجلس النواب لكي يفرغ المادة الدستورية من ثقلها السياسي. حضور رئيس الحكومة يتحكم فيه مكتب المجلس. يمكن تقديم طلب حضور الرئيس إلى رئاسة المجلس وهنا قد يبدأ عمل تقييم في الكواليس السياسية حول جدوى أو خطورة الحضور. ثم تأتي مرحلة الرفض أو القبول للطلب بعد تقديم أسباب الرفض وتكييفه حسب أحوال المناخ السياساوي.
السؤال المطروح كان من المفروض أن يكون فرصة للتواصل مع النواب والرأي العام في ظل ما نعيشه من توتر اجتماعي والهجوم الذي استهدف رئيس الحكومة على الفضاء الأزرق وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. حضور رئيس الحكومة الشهري للمجلس ضروري ويجب أن يصبح موعدا قارا وغير مرتبط بشروط تخضع لمنطق الأغلبية العددية والتي يتبين أنه سبب في ضعف إيقاع التشريع ببلادنا وخصوصا على مستوى الاهتمام بمقترحات القوانين.
حاولت بلادنا منذ تبني أول دستور غداة الاستقلال أن تغني الحياة السياسية بممارسات فضلى في دساتير بعض الدول وخصوصا تلك التي ضمها دستور فرنسا. ولكن واقع الممارسة ظل، في الغالب، محدودا في دائرة الشكل. رؤساء الحكومات في كثير من الدول يحضرون بشكل منتظم ويساهمون في الرد على بعض الأسئلة ولو كانت ذات طابع قطاعي. المشكل يقتضي أن تأخذ الحكومة الأمر محمل الجد. فحضور رئيس هذه الحكومة عنصر هام في ترسيخ الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات وخصوصا لدعم الوزراء خلال النقاشات حول تدبير السياسات العمومية القطاعية. حضور رئيس الحكومة للبرلمان يشكل كذلك عنصر متابعة للنقاش السياسي وقد ينعش الإهتمام بعمل المؤسسات. إذا استمر الغياب أو قل الحضور في مناخ اجتماعي صعب وانتظارات كبيرة للمواطنين وزادت معه أشكال النقد الموجه للمسؤولين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة، فلننتظر احتقانات في ظل ضعف لأليات الوساطة الإجتماعية. لكل هذا لا يمكن تبرير عدم الحفاظ على الحضور الشهري لرئيس الحكومة للبرلمان بفرامل قانونية من صنع سياسي لا يتوافق مع ما ينتظر بلادنا من تحديات في إطار النموذج التنموي الجديد والمسار الذي تعرفه قضية وحدتنا الترابية وكافة الاكراهات التي فرضها المحيط الدولي. الأمر يحتاج إلى قرار سياسي يراعي المصلحة الوطنية وتغليبها على مصالح اقلية لا يهمها إلا تضخيم نصيبها من ثروات بلادنا.
تعليقات ( 0 )