أحدث المجلس الوطني لحقوق الانسان، وبتكليف من رئاسته، لجنة استطلاعية لبناء الوقائع على إثر المواجهات العنيفة والمؤسفة التي وقعت بالسياج الحدودي الذي يفصل مدينة مليلية عن مدينة الناظور وبالمعبر الحدودي المعروف بالحي الصيني “باريو تشينو” صباح الجمعة 24 يونيو 2022 والتي أدت إلى وفاة 23 من المهاجرين، وإصابة 217 بجروح متفاوتة الخطورة بين المهاجرين وعناصر القوات العمومية.
وكشفت اللجنة أن الهجرة بالإقليم عرفت تحولا في المدة الأخيرة، لا سيما بعد وصول موجة جديدة من المهاجرين الى المنطقة ابتداء من منتصف سنة 2021، حيث بدأت تكتسي “طابعا عنيفا” بعد سيطرة المهاجرين على بعض نقاط التزود بالماء ومنع الساكنة المحلية من استغلالها، وتعرض بعض السكان لممارسات استفزازية ولبعض التهديدات.
فبعد فترة من الهدوء التي أعقبت اقتحامات السياج الحديدي خلال شهر مارس 2022 استأنف المهاجرون من جنسية سودانية التوافد على إقليم الناظور عبر القطارات والحافلات ابتداء من منتصف شهر يونيو، رغم تشديد السلطات المراقبة على محطات القطارات ووسائل النقل العمومية وسدود المراقبة على الطرقات ومداخل المدينة خصوصا من جهة الشرق، وذلك لتفادي حدوث المواجهات العنيفة التي شهدها شهر مارس 2022
ونتيجة لذلك، غير المهاجرون من طريقة تنقلهم للوصول الى إقليم الناظور حيث شرعوا في التنقل ليلا عبر مسالك بعيدة عن مراقبة السلطات كما أصبحوا يتحركون عبر مجموعات صغيرة لا تفوق خمسة أشخاص أو التنقل فرادى للتوجه نحو نقاط محددة في الغابات.
أمام التغير الحاصل في طرق ومسالك التوافد على إقليم الناظور من طرف المهاجرين، كثفت السلطات، عملياتها التمشيطية لرصد مناطق استقرار المهاجرين الذين وجدوا في غابة “بوقويا” والتي لم تكن تعرف من قبل تواجدا للمهاجرين بها، حيث اتخذوا من مرتفعات الغابة مكانا لاستقرارهم ووضعوا المتاريس والأحجار في كل المسالك المؤدية لمكان تحصنهم.
ونظمت السلطات المحلية، بتاريخ 18 يونيو 2022 عملية تمشيطية بغابة بوقويا أدت إلى صدام بين القوات العمومية والمهاجرين المنحدرين في غالبيتهم من جنسية واحدة واستعمالهم لعنف شديد بعدما تحصنوا أعلى قمة الجبل، وأمطروا القوات العمومية بوابل من الحجارة، بل واصلوا هجومهم على القوات العمومية رغم انسحابها.
وأبدى المهاجرون خلال المواجهة “تنظيما محكما ينم عن معرفة بالتكتيكات الدقيقة المتمثلة في توزيع المهام والأدوار والتمرس في أماكن وعرة للتمكن من محاصرة القوات العمومية من مختلف الجوانب، وكذا التراجع التكتيكي إلى أعلى الجبل لاستدراجها حيث يسهل محاصرتها”.
وقد قام المهاجرون بعمل غير مسبوق يوم 18 يونيو تمثل في احتجاز 5 عناصر من القوات العمومية كرهائن بالإضافة إلى العديد من وسائل حفظ النظام كالخودات والدروع الواقية اضطرت معه القوات العمومية للتراجع والتفاوض مع المهاجرين الذين أفرجوا على أربعة رهائن بدون شروط مع احتفاظهم بالرهينة الخامسة، الذي تعرض لمس خطير لسلامته الجسدية، الذي أفرج عنه فيما بعد، بعد مفاوضات أدت كذلك إلى استرجاع معدات حفظ النظام المحجوزة.
كما أصيب، خلال هذه العملية، 56 عنصرا من القوات العمومية إصابات متفاوتة الخطورة نقلوا على إثرها إلى المستشفى الإقليمي الحسني بالناظور لتلقي العلاجات اللازمة.
وانسحب المهاجرون، بعد هذه العملية، عبر مجموعات صغيرة ومتباعدة في الزمن في اتجاه الغابات المجاورة، وتحصنوا في غابة “ازنودن” التابعة ترابيا لجماعة “ايحدادن” التي تبعد حوالي 20 كلم عن مدينة مليلية، وهي عبارة عن مرتفع شديد الوعورة ومكان استراتيجي يمكن من مراقبة كل التحركات من مسافات بعيدة.
وحسب السلطات ورغبة في تحييد الخطر الذي باتت تشكله هذه المجموعة من المهاجرين بعدما أبدوا عنفا شديدا وغير مبررا، قامت السلطات العمومية بتنظيم عملية تمشيط في غابة ازنودن يوم 23 يونيو 2022 غير أنها ووجهت بعنف أشد، خلف 116 إصابة في صفوف القوات العمومية بينها 7 حالات خطيرة.
وفي صبيحة يوم الجمعة 24 يونيو 2022 قام حوالي 2000 مهاجر وفق اللجنة بالانتقال سيرا على الأقدام في مجموعات متفرقة ومنظمة من مكان تمركزهم في غابة “ازنودن” في اتجاه مدينة مليلية، التي تبعد بحوالي 20 كلم عن المعبر، حيث شوهدوا في منطقة أولاد سالم في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا قبل أن يواصلوا التوجه نحو السياج الحديدي في حدود الساعة السابعة صباحا، وتفرقوا لمجموعتين قصدت الأولى أحد أبواب السياج في حين اتجهت المجموعة الثانية الى المعبر الحدودي “باريو تشينو” قبل أن يتوجه الجميع صوب المعبر ليتسلقوا أسواره، غير أنهم، وفور ولوجهم إلى باحة المعبر وتوجههم إلى الأبواب الدوارة الفاصلة مع مدينة مليلية والمحكمة الإغلاق (ظل مغلقا لمدة تزيد عن ثلاث سنوات) ظلوا عالقين في فضاء ضيق، قبل أن تقع الكارثة التي خلفت 23 قتيلا.
تعليقات ( 0 )