بشكل مفاجئ، وفي الوقت الذي تلقى الحزب ضربة قوية من خلال إسقاط مقعد رئيس فريقه بمجلس النواب، طفت إلى السطح أزمة تنظيمية داخل حزب الاستقلال، بعدما تحولت معركة البرلمانيين من استعادة مقعد نور الدين مضيان إلى ضمان مقاعدهم داخل برلمان الحزب، بعدما انتهت عملية “الكولسة” ونقاشات الخلوة التنظيمية إلى طرح مقترح غير مسبوق يقضي بمنع العضوية في المجلس الوطني بالصفة.
داخل حزب علال الفاسي، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن يعرف الحزب هكذا هزة وهو يشارك في الحكومة، بعد نجاحه في انتزاع 81 مقعدا في انتخابات 8 شتنبر البرلمانية..لكن الواضح من خلال الجدل الذي يعرفه الحزب أن الرياح ذهبت عكس ما تبتغيه عدد من القيادات، وبدا واضحا أن حرب صقور الحزب قد خرجت إلى العلن، وقد تتحول إلى أزمة حقيقية في أفق مؤتمر استثنائي بجدول أعمال توجد ضمنه نقطة رئيسية تسعى إلى تقليص عدد أعضاء برلمان الحزب بأكثر من النصف.
المعارضون لهذا التوجه يعتبرونه محاولة للتحكم في المجلس الوطني استعدادا لمرحلة أخرى تفرض أن يكون برلمان الحزب تحت السيطرة. فوجود أزيد من 1000 عضو يعقد عملية التوجيه، ما يفرض ترتيب الأوراق بشكل مبكر..لكن الأهم هو أن تشمل هذه العملية بعض الأجنحة التي قد تزعج الراغبين في خلط الأوراق خلال المرحلة المقبلة.
صحيح أن هؤلاء البرلمانيين الذين سيمنعون من الحصول على العضوية في المجلس الوطني بالصفة، هم الذين قادوا الحزب للمشاركة في الحكومة..فلو لم يتحصل الحزب على 81 مقعدا في نتائج الانتخابات، لما تمت دعوته من طرف رئيس الحكومة المعين عزيز أخنوش إلى التفاوض استعداد لتشكيل تحالف موحد..والمنطق يقتضي أن يتم “تشريف” هؤلاء البرلمانيين بمنحهم على الأقل عضوية بالصفة في المجلس الوطنية…لكن الأمور ليست بكل هذا التبسيط.
خلوة وأزمة
بدأ كل شيء يوم الخميس 26 ماي 2022 عندما تم تنظيم خلوة دراسية بالهرهورة، برئاسة نزار بركة الأمين العام للحزب، خصصت للتحضير للمؤتمر الاستثنائي الذي سيعقده الحزب من أجل مراجعة وتطوير نظامه الأساسي، والذي سيضع ضمن جدول أعماله الحسم في المقترح المطروح من أجل إعادة تشكيل المجلس الوطني.
البلاغ الذي صدر عن اللجنة التنفيذية أكد أنه “وبعد الاستماع إلى التقرير المفصل الذي أعدته اللجنة المنبثقة عن اللجنة التنفيذية المكلفة بصياغة مشروع تعديل بعض مقتضيات النظام الأساسي للحزب، وما تلاه من مناقشة مستفيضة وعميقة وإغناءات، صادقت اللجنة التنفيذية على مشروع هذه التعديلات”. وسيتم الإعلان عن تاريخ ومكان المؤتمر الاستثنائي في الأيام القليلة المقبلة.
لم تمض إلا ساعات قليلة حتى بدأت تفاصيل الخلوة الدراسية تخرج إلى العلن لتكشف وجود خلاف قوي حول مسألة إعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني. فإذا كان هناك تفهم لضرورة تقليص الأعضاء الذين يصل عددهم إلى 1200، فقد فجر مشروع التعديل المصادق عليه من طرف اللجنة التنفيذية من أجل منع العضوية بالصفة في المجلس الوطني، جدلا كبيرا ودفع بعدد من البرلمانيين إلى التحرك بقوة قبل فوات الأوان.
أولى المواقف الموحدة جاءت من جهة مراكش آسفي، حيث عبر عدد من أعضاء الحزب بجهة مراكش آسفي عن الرفض الكامل والتام لمقترحات خلوة اللجنة التنفيذية التي تروم تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني، معلنين دعمهم للأمين العام والتمسك بمحورية منصب الأمين العام ودوره في الحفاظ على هوية ووحدة الحزب.
وتم التعبير عن هذه المواقف في بلاغ تم إصداره عقب اجتماع عقده مجموعة من أعضاء مجلس النواب وعضو مجلس المستشارين، ومجموعة من أعضاء اللجنة المركزية ومجموعة من مفتشي الحزب ومجموعة من منتخبي الحزب بمجلس الجهة. وقد عبر المجتمعون تمسكهم بعضوية البرلمانيين ومفتشي الحزب وأعضاء اللجنة المركزية بالصفة وتمثيلية الروابط المهنية داخل المجلس الوطني، باعتبار هذه الفئات وبعيدا عن تشخيص الأمور، البنيات الأساسية التي يقوم عليها الحزب والتي تقوم بالتفكير والتدبير والتعبير عن مواقف الحزب السياسية.
وفي المقابل، تمت الإشادة بما وُصف بالنتائج “الباهرة” التي حققها حزب الاستقلال بقيادة نزار بركة الأمين العام للحزب، وخصوصا بجهة مراكش آسفي في مختلف الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والجهوية والجماعية والمهنية الأخيرة والتمثيلية الوازنة والمشرفة في مختلف هياكل وبنيات المؤسسات المنتخبة.
وعبر أعضاء حزب الميزان عن تقديرهم للمجهودات الكبيرة التي يبذلها برلمانيو ومنتخبو الحزب بالجهة في الاضطلاع بمهامهم الانتدابية، وحرصهم على ممارسة مهامهم بكفاءة ومسؤولية وأمانة واقتدار. ونوه البلاغ بالمساهمة النوعية والمثمرة للحزب في الدينامية الجديدة التي تشهدها بلادنا وانخراطه في أجرأة النموذج التنموي الجديد ومسيرة الإصلاحات الحكومية الكبرى لتنزيل الأوراش الملكية الاستراتيجية الهامة.
وفي سياق متصل، أكد أعضاء حزب الاستقلال بجهة مراكش إنهم لن يدخروا أي جهد في الدفاع عن قضايا المواطنين والتجاوب مع انتظاراتهم وتنفيذ الالتزامات التي تعهد بها حزب الاستقلال خلال الحملة الانتخابية وفاء للثقة الغالية التي وضعوها على عاتق الحزب ومنتخبيه.
برلمانيون “يتمردون”
في إطار متابعة التفاعلات التي أفرزتها مخرجات خلوة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال نهاية شهر ماي الماضي، اجتمع بمدينة الرباط مساء الأحد المنصرم بشكل حضوري وعبر التناظر 53 من أعضاء الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي النواب والمستشارين حيث أصدروا بلاغا ناريا حمل إشارات قوية.
وأكد البلاغ أن أعضاء الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي البرلمان تلقوا، “باستغراب وأسف شديدين، مضامين مقررات الخلوة التي عقدتها اللجنة التنفيذية للحزب، في تجاهل تام لحساسية الظرفية التي تجتاز فيها بلادنا كغيرها من بلدان العالم ظرفية اقتصادية واجتماعية دقيقة، هذه الظرفية تستوجب اضطلاع الأحزاب السياسية بدور أساسي في تعزيز روح الوحدة والتضامن والتماسك عوض افتعال أزمات تزيد من التشويش على صورة الأحزاب وتعمق أزمة الفعل السياسي ببلادنا”.
وأكد المجتمعون على تثمين النتائج المتميزة التي حققها الحزب في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة والتي بوأت الحزب مكانة مرموقة بفضل التعبئة والانخراط الفعال لمناضلي ومناضلات الحزب بمختلف مواقعهم التنظيمية بقيادة الأخ الأمين العام.
وأضاف البلاغ أن “تأمل مجمل اقتراحات التعديلات (عضوية البرلمانيين، اللجنة المركزية، مفتشي الحزب، روابط الحزب وهيئاته وتنظيماته) التي خلصت إليها خلوة اللجنة التنفيذية للحزب، تظهر أن الأمر غير مؤطر برؤية ديموقراطية واضحة بل مجرد حسابات تنظيمية مسكونة بهاجس الضبط، في تناقض كامل مع فلسفة الفصل السابع من الدستور الذي خول للحزب السياسي وظيفتي التمثيل والتأطير واللتان تتجليان في المنتخبين والأطر الحزبية”.
وأكد برلمانيو الحزب على “ضرورة دعم مؤسسة الأمين العام للحزب حيث يبقى الأمين العام مؤسسة محورية في البنية التنظيمية والهيكلية للحزب، فهو المؤتمن على وحدة الحزب والضامن لاحترام قوانينه ومؤسساته وحقوق مناضليه وليس مجرد مسؤول عادي تابع، يوكل له ترتيب أشغال اللقاءات والتنسيق بين مسؤولي الجهات لتسهيل قضاء المأموريات”.
وعبر المجتمعون عن رفضهم بشدة “المس بالوضعية التنظيمية والاعتبارية للسيدات والسادة أعضاء الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي البرلمان ومفتشي الحزب وأعضاء اللجنة المركزية والتنظيمات والروابط المهنية الذين يمثلون واجهة نضالية حقيقية وقوية للحزب، كما كان ذلك على الدوام، سواء كان الحزب في الأغلبية أو المعارضة، وليس مجرد أرقام أو بنية هامشية على متن الحزب”.
ودعا برلمانيو الاستقلال، الموقعين على هذا البلاغ، إلى “توقيف أي استحقاق تنظيمي يهم الحزب إلى ما بعد الانتخابات الجزئية”، مع توجيه مذكرة تفصيلية للأمين العام للحزب تتضمن مجموع ملاحظات الفريق على مقترحات خلوة اللجنة التنفيذية. كما أعلنوا “دعم الفريق الكامل للحكومة وتشبته بالأغلبية الحكومية”.
وختم البلاغ بالقول إن “أعضاء الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي البرلمان الموقعين على هذا البيان سيظلون في حالة تعبئة ويقظة مستمرتين، على المستوى المحلي والوطني وعلى استعداد كامل لاتخاذ كافة الخطوات التي من شأنها الحفاظ على وحدة الحزب وقوته وتماسكه وتوفير الشروط المثالية لإنجاح المؤتمر الوطني الثامن عشر باحترام تام للقواعد الديمقراطية، كما أنهم مستعدون لاتخاذ خطوات أخرى سيتم الإعلان عنها في حينها”.
دعم برلماني لفك “أسر” نزار بركة
ليس من الصدف أن تتضمن عدد من البلاغات الصادرة عن أعضاء في الحزب أو برلمانيين باسم “الاستقلال”، عبارات تؤكد الدعم القوي للأمين العام نزار بركة من أجل ممارسة اختصاصاته كاملة، مع ما يعنيه ذلك من إشارات مبطنة لبعض القيادات التي تسعى إلى جعل الأمين العام تحت سلطتها ووصايتها.
في العلن، لم يبد نزار بركة أي موقف رسمي لحد الآن من هذه الأزمة التي دخلها حزب الاستقلال دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات واضحة لما ستتخذه من أبعاد تنظيمية وحتى سياسية قد تؤثر على وضعية الحزب داخل الأغلبية..لكن ذلك لا يعني بأن نزار بركة لا يتحرك في الكواليس من التأثير على اتجاهات المواقف المعبر عنها داخل الحزب.
البلاغ الذي أصدره 53 برلمانيا، اجتمعوا في الرباط يوم الأحد المنصرم، حمل إشارات قوية نحو الجهات التي تسعى إلى إضعاف الأمين العام، وإظهاره بمظهر الرجل الذي يكتفي بتدبير الأمور التنظيمية، والحضور الشكلي في الاجتماعات التي تتخذ قرارات حاسمة، كما وقع في خلوة الهرهورة.
البلاغ أكد بشكل صريح ودقيق على “ضرورة دعم مؤسسة الأمين العام للحزب حيث يبقى الأمين العام مؤسسة محورية في البنية التنظيمية والهيكلية للحزب، فهو المؤتمن على وحدة الحزب والضامن لاحترام قوانينه ومؤسساته وحقوق مناضليه وليس مجرد مسؤول عادي تابع، يوكل له ترتيب أشغال اللقاءات والتنسيق بين مسؤولي الجهات لتسهيل قضاء المأموريات”.
هذه الرسالة، تقول مصادر “ميديا 90” إنها موجهة أساسا إلى جناح حمدي ولد الرشيد، الذي يبقى الرجل القوي والنافذ داخل الحزب، بل هناك من يرى فيه الأمين العام الحقيقي الذي يتحكم في كل كبيرة وصغيرة، وهو الأمر الذي اتضح أكثر في سياق أزمة مشروع التعديل الذي يسعى إلى إبعاد أعضاء البرلمان عن العضوية بالصفة في المجلس الوطني.
لكن الذي وقع هو أن جزء مهما من أعضاء الحزب في البرلمان تمردوا على الرجل، بل إن اجتماعا لفريق الحزب انعقد يوم الاثنين الماضي تحول إلى سجال كبير وشهد حالة إغماء لإحدى البرلمانيات، بعدما انتفض عدد من البرلمانيين في وجه كل من عبد الصمد قيود وحمدي ولد الرشيد الذي حاول توضيح طبيعة التعديل المثير للجدل، حيث عرف الاجتماع مشاداة بين القياديين المذكورين وعدد من البرلمانيين، في وقت تم تسجيل غياب عمر احجيرة الذي يتولى الإشراف على تسيير وتنسيق أعمال الفريق بعد إسقاط مقعد رئيسه نور الدين مضيان.
وعبر عدد من الحاضرين لهذا الاجتماع الذي مر في أجواء مشحونة ومتوترة، عن رفضهم القاطع لنقل الخلافات الدائرة داخل الحزب إلى الفريق البرلماني، وطالبوا بضرورة مناقشة الأمر مع الأمين العام للحزب داخل المقر، وفتح النقاش بشأنه خارج الفريق الذي يفترض خلال الاجتماع أن ينكب على دراسة أمور لها علاقة بمهامه البرلمانية.
تعليقات ( 0 )