النقابات في مواجهة الحكومة.. “أسود” بلا أنياب

على الرغم من الضربات المتتالية التي أجهزت على القدرة الشرائية للمغاربة، لم تفلح النقابات في دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من غطرسة لوبيات اقتصادية حولت حرية الأسعار والمنافسة إلى فوضى.

خلال سنة واحدة، تضاعفت أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، والتهبت المحروقات بشكل فاق كل التوقعات، بينما ظلت النقابات في موقع المتفرج في انتظار أن يجود الفاعل الحكومة بقرارات تخفف حدة هذه الأوضاع الصعبة على شرائح واسعة.

بين الأمس واليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسر..من إضرابات وطنية تلهب الشوارع..ومسيرة “الحمير” التي كانت بمثابة رصاصة الرحمة في صدر الفعل النقابي ومصداقيته، لم يعد للفرقاء الاجتماعيين من دور حيوي في الوساطة بين الدولة والمجتمع غير تأثيث المشهد، في وقت تبدو الحكومة في أمس الحاجة إلى من يساهم معها، بالأفكار والمقترحات، في إبداع الحلول لملفات معقدة.

بين الأمس واليوم، فرضت حركات جديدة نفسها على طاولة الحوار.. لقد جرى العرف ألا تجالس الحكومة إلا النقابات التي تتوفر على تمثيلية، وفي ذلك انتصار للوساطة المؤسساتية مع المجتمع وتوضيح لمسارات وآليات التفاوض من أجل انتزاع الحقوق، وفق مساطر مضبوطة للتفاوض.

غير أن الذي وقع في السنوات الأخيرة خو أن وزارة التربية الوطنية مثلا اضطرت للجلوس إلى طاولة الحوار مع تنسيقية ما يعرف بالأساتذة المتعاقدين، في خطوة لا تخلو من رسائل غير مطمئنة على تراجع دور النقابات في التأطير والترافع.

أما جلسات الحوار الاجتماعي فلم تعد، حتى في عهد الحكومة السابقة، إلا مناسبة للبحث عن مصالح النقابات، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقوانين التي قد تعصف بمصالح القيادات الخالدة..

أكثر من ذلك، فقد باتت النقابات تواجه الاتهامات ب”ببيع الماتش” للفاعل الحكومي، لاسيا في ظل مهادنة يزيدها وضوحا القرار الذي اتخذته الحكومة برفع الدعم المخصص للنقابات بحوالي 30 في المائة، ما جعل البعض يتهم الحكومة بالسعي ل”إرشاء” الفاعلين الاجتماعيين لشراء صمتهم.

لقد طالعتنا بعض ، بمناسبة الحوار الاجتماعي الأخير،  بمطالب تحمل نوعا من “الطنز” على الموظفين، من خلال دعوتها إلى إقرار زيادة عامة في الأجور تصل إلى 1000 درهم، بالرغم من علمها اليقين بأن هذا المطلب يستحيل تطبيقه.

وبدل أن تعكف النقابات على مفاوضة الحكومة في أمور دقيقة، وفق ملفات مطلبية مدروسة حتى وإن لم تتضمن الزيادة في الأجور، فقد اختارت طرح بعض المطالب غير القابلة للتحقق، بالرغم من أن مسألة حماية وتحسين القدرة الشرائية للموظفين والأجراء لا ترتبط فقط بالزيادة في الأجور..بل أساسا بوقف الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية.

وهكذا، فقد مخرجات الحوار الاجتماعي وفق التصور الحكومي وبعيدة عن المطالب التي طرحتها النقابات، ما جعل الأخيرة توافق -بعد مفاوضات غير شاقة بالنسبة للحكومة، على اتفاق اجتماعي أقرب إلى إعلان نوايا.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي