في المغرب يمكن أن تسرق مئات المليارات وتختفي مثل شبح، إو إبرة وسط كومة قش كما حدث ل3700 مليار من أموال البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم.
كما يمكن أن تمتد يدك تحت تأثير الحرمان والجوع والشغب الطفولي لعلب بسكويت وقليل من الزبيب والتمر، لتجد نفسك “نتا “و”طاسيلتك” في مخافر الأمن والدرك.
هذا تماما ما وقع لأربعة تلاميذ في مجموعة مدراس ولاد بوكرين بعد أن اكتشفت المديرة اختفاء علب البسكويت.
الأمر لا يتعلق بسابقة في أجمل بلد في العالم.
ففي سنة 2001 حدثت واحدة من إحدى أغرب قصص السرقة، حين وجد 11 تلميذا لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات أنفسهم داخل السجن بعد أن قام رجال الدرك بمحاصرة إحدى المدارس باقليم شيشاوة لتوقيفهم قبل اقتيادهم للتحقيق معهم.
القضية التي تناقلتها عدة وسائل إعلام وطنية ودولية وتحولت إلى مادة للسخرية ، انطلقت فصولها بعد أن تقدم مدير مؤسسة تعليمية بشكاية إلى مصالح الدرك الملكي ضد عدد من التلاميذ يتهمهم فيها بعرقلة سير الدراسة، والتمرد على الضوابط، والسعي نحو إحداث شلل بالمؤسسة التعليمية،.
هذا لأنهم تجرؤوا على سرقة مادة حيوية لا يمكن أن تستمر الدراسة بدونها ويتعلق الأمر بعلب من الطباشير.
مشهد عناصر الدرك وهم يقومون باعتقال تلميذ تلو أخر بناءا على إرشادات المدير جعلت بعض الصغار يسارعون بالفرار من المؤسسة التعليمة البئيسة، بعدما عاينوا كيف تم اعتقال أصدقائهم، واقتيادهم مثل مجرمين مبحوث عنهم بأخطر التهم، ليسارعوا بإخبار أسرهم بما وقع الأمر الذي خلق حالة تخوف كبير بالمنطقة، وجعل الروايات تتناسل حول وقوع جريمة خطيرة تورط فيها الأطفال.
أما الصغار الذين علقوا داخل المدرسة فقد وجدوا أنفسهم محاصرين بعناصر درك حضروا بكل همة ونشاط بعد تلقيهم شكاية المدير، وقاموا بجلسات تحقيق مارطونية، مع التلاميذ الذين عاشوا لحظات رعب حقيقية، بعد أن تحولت لحظات طيش طفولي استهدفت مادة رخيصة الثمن ، إلى قضية خطيرة تطلبت استنفار الدرك، دون أن يدور في بالهم بأن الأمور ستسير نحو الأسوأ، و أن القضية ستكبر مثل كرة ثلج ليجدوا أنفسهم أمام قضية وضع لها رقم ، وملف، أمام محكمة مراكش ،في الوقت الذي اعتقد فيه عدد من سكان المنطقة بأن الأمر مجرد سوء تفاهم وتهويل غير مقصود سينتهي بإطلاق سراح المعتقلين.
معاناة التلاميذ الصغار الذين كاد بياض الطباشير أن يلطخ سمعتهم للأبد، ويحكم عليهم بالتحول إلى مجرمين قبل الأوان، ستأخذ منعطفا آخر بعد أن تقرر متابعتهم بفصول القانون الجنائي، وإحالتهم على العدالة.
بعد ذلك توحد عدد من الآباء من أجل الدفاع عنهم بتنسيق مع جمعية أباء و أولياء التلاميذ، حيث تجند هؤلاء للكشف عن الدوافع الحقيقية التي وقفت وراء القضية، متهمين المدير بتصفية حسابات شخصية قديمة عن طريق الانتقام من الأطفال الذين لم يصوت أبائهم عليه بعد ترشحه في الانتخابات.
كما ارتفعت عدة أصوات تعتبر أن ما وقع هو ترهيب حقيقي لا يمت للتعليم ومبادئه بصلة، معلنين مقاطعتهم للمؤسسة التعليمية إلى حين تدخل الوزارة المعنية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المدير ووضع حد للمهزلة.
وبعد أن وصل الخبر إلى الصحافة تحولت القضية من ملف طيش طفولي، إلى مادة سياسية دسمة، تقارن بين عدد من المسؤولين الذين اختلسوا الملايير من المؤسسات العمومية واغتنوا من المال العمومي دون أن يجدوا من يردعهم او يساءلهم من أين لكم هذا، و وبين أطفال ابرياء ولدوا في مدينة مهمشة، وتم الزج بهم في السجن لمجرد أن أصابعم امتدت إلى علب طباشير لا تتجاوز قيمتها المادية خميس درهما.
وبعد أن تزايدت حدة الانتقادات والشجب والاستنكار الذي وصل إلى قمته بعد أن عرض البعض على وزارة التربية الوطنية شيكا يضم مبلغا مهما يغطي شراء علب طباشير تكفي لسنة كاملة، صدر قرار بالإفراج عن التلاميذ لتنتهي بذلك فصول هده القضية التي خلفت ذكريات سيئة لدى باقي التلاميذ من مادة ترسم على السبورة طريقهم للعلم، وقد ترسم أيضا طريقا للسجن بوجود مدير يعشق تصفية الحسابات.
هؤلاء الأطفال من ضحايا البسكويت والزبيب والطباشير لا يعلمون بوجود لصوص حقيقين يرتدون سترات أنيقة ويظهرون في التليفزيون ويستمرون في الحديث عن إصلاح التعليم.
لا يعلمون أن هؤلاء سرقوا 3700 مليار سنتيم كانت موجهة لإنقاذ أبناء فقراء هذا البلد من مغادرة فصولهم الدراسية، أو مد يدهم لسرقة علبة بسكويت….
كما لا يعلمون أن هؤلاء وغيرهم لا زالوا يسرقون دون خوف، ودون أن يزعجهم أحد… في بلد عوقب فيه سارق صندالة بلاستيك بسنتين حبسا نافذا …… ؟
تعليقات ( 0 )