لم نسمع إلى الآن أي تعليق حكومي حول “هرب” عدد من الرياضيين المغاربة الذين استغلوا مشاركات دولية ل”الحريك”.
في ظرف أسبوع فقط سجلت ثلاث حالات، والحصيلة تجاوزت 12 رياضيا، من بينهم تلاميذ قاصرون.
حدث هذا دون أن يطرح من يهمهم الأمر سؤالا صغيرا، ولو من باب رفع الحرج، عن السبب الذي يدفع هؤلاء للفرار من بلدهم في أول فرصة تتاح لهم….؟
هذه الحمى ليست محصورة في منطقة أو شريحة معينة، أو لدى الرياضيين.. بل تحولت إلى هوس لدى عشرات الآف الشبان المغاربة وفق ما كشفته تقارير رسمية.
الأمر لم يعد محرجا للحكومة التي تتفرج فقط فيما يحدث، بعد أن سبق لوزير الداخلية و انتقد بشدة التعامل مع “الرغبة في الحريك كحق طبيعي لكل من ضاق به العيش فوق أرض بلده”…دون طرح البديل.
لن نغطي الشمس بالغربال لأن الأمل في حدوث تغيير وتنمية يكون أساسها المواطن أصبح يتبدد بسرعة لدى شريحة واسعة.
كما أن أجواء الاستياء والغضب أصبحت توحد المغاربة.
المغاربة الذين يعانون في صمت، في زمن الجائحة والغلاء، لضمان العيش بالحد الأدنى من الكرامة.. وفوق ذلك يجابهون بخدمات عمومية تقدم بمنطق الصدقة، وبمسؤولين فاسدين ومستهترين تكفي وجوههم التي عمرت طويلا للتأكيد على أننا نعيش حال نكوص غير مسبوق.
انسداد الأفق الاجتماعي الذي يغدي موجات “الحريك” هو نتيجة حتمية للعبث السياسي الذي غرقت فيه البلاد، والذي تكرس بوضوح خلال التسخينات التي سبقت الانتخابات.
كما أن الكفر بالوطن الذي يستقطب الآف “الحراكة” هو مرض اجتماعي خطير، وأسبابه كثيرة، وعديدة.
أبسطها النفاق الرسمي الذي يتعامل مع الجالية بحب كبير ومصطنع، متناسيا أن آلاف المهاجرين الذين يعودون صيفا، ركبوا في وقت سابق قوارب الموت بحثا عن الحياة والكرامة في الضفة الأخرى.
الخطير أن موجة الهروب لم تعد حكرا على أبناء الطبقة الفقيرة، بل امتدت العدوى لشريحة لم تكن تفكر إطلاقا في الرحيل لبدء حياة جديدة بعيدا عن التوتر والقلق الذي أصبح يزحف في كل اتجاه.
شريحة اقتنعت بأن هناك عطبا عميقا في آليات اشتغال الدولة، وبأن كل المؤشرات تسير في اتجاه أن هذا العطب لن يصلح في المنظور القريب، والدليل أن فرار المئات، وارتمائهم في مقابر البحر، لم يحرك ساكنا لدى المسؤولين المغاربة، وكأنهم يقولون في قرارة أنفسهم “لي ماعجبو حال يخوي لبلاد”.
والواقع أن حبر التمني جف بالنسبة للكثيرين، كما قالت حياة بلقاسم تلك الشابة التي أنهت رصاصة حلمها بالهجرة.
كلمات تحولت لقناعة جماعية، بعد أن عادت حمى “الحريك” الى أوجها، وصار الآلاف يتزاحمون ويطرقون جميع الأبواب، بحثا عن فرصة للهرب من بلد توجد فيه جميع العوامل المحفزة على اليأس، وقتل ما تبقى من أمل بعيدا عن اتهامات التبخيس والعدمية.
حمى “الحريك” لم تعد محصورة على القوارب، بل إن آلاف اختاروا أن يرحلوا بدورهم.
من هؤلاء دكاترة ومهندسون و كفاءات فضلت أن تعيش ما تبقى من حياتها بعيدا عن العبث والبؤس، وهدر الزمن، الذي نكرسه، والذي يأبى السياسيون إلا أن يضيفوا إليه فصولا جديدة في كل مرة.
عدد من الدول ذات الامكانيات المحدودة واجهت عيوبها في المرآة، ونجحت في وضع الخطوة الأولى نحو التغيير، وتحقيق النمو، والإقلاع المنشود.
أما نحن لازلنا نحن غارقين في التردد والريع والانتهازية والفساد، والنفاق السياسي الذي يجعلنا نتقدم خطوة للإمام، وخطوتين للوراء.
تعليقات ( 0 )