البرلمان ينتفض ضد الغلاء ووزير الفلاحة "يطنز": مطيشة والفلفة موجودين

الغلاء الفاحش يضع المخطط الأخضر على فوهة المدفع

بسياسة الهروب إلى الأمام، وتصريحات بعض وزرائها المستفزة للمغاربة، ربما تعيد حكومة عزيز أخنوش نسج القصة الشهيرة لماري إنطوانيت، زوجة ملك فرنسا لويس السادس عشر، التي عاشت وسط ثروة فاحشة وبذخ طافح أبعدها عن هموم الفرنسيين الذين تعقدت حياتهم الاقتصادية في القرن الثامن عشر، فاحتشدوا أمام قصرها واعتصموا لأيام. وحينما وصل الأمر إلى مسامعها، سألت خدمها عن سبب اعتصام كل هذا الحشد من الفرنسيين الغاضبين أمام قصرها، فأخبروها أنهم فلاحون فقراء يطالبون بالخبز. فردت عليهم حينها بقولتها الشهيرة: “إذا لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت”؟!

في روح هذه القصة ورسائلها، ما يحيل على تصريحات بعض وزراء هذه الحكومة، ومنهم وزير الفلاحة والصيد البحري محمد الصديقي، الذي واجه احتجاج نواب برلمانيين على لهيب أسعار الخضر، وعلى رأسها الطماطم والفلفل، ببرودة كبيرة عندما قال: “مطيشة والفللفة موجودين في الأسواق”.

صحيح أن السيد الوزير لم يكذب في واضحة نهار رمضان، وهو العارف بخبايا القطاع الفلاحي واليد اليمنى لعزيز أخنوش في الوزارة الوصية عندما جرى تعيينه سنة 2013 كاتبا عاما، قبل أن يرتقي في سلم المسؤولية ويصبح وزير في ظل حكومة أخنوش…صحيح أن الوزير لم يكذب، لكنه وضع نفسه محط سخرية كبيرة عندما دس رأس في الرمل واحتكم إلى لغة “الطنز”. فالمغاربة لا يحتجون على عدم وفرة المواد الغذائية، بل لارتفاع سعرها الذي وصل مستويات قياسية فاقت قدرة أغلب الأسر على استهلاكها بمستوياتها الاعتيادية.

خطر ولاد جلول

بالرغم من أن لا شيء يبرر الفوضى ومنطق “شرع اليد”، إلا أن ما وقع في سوق ولاد جلول قرب مدينة القنيطرة، كان مؤشرا خطيرا على ما يمكن أن يحدث عندما يتحكم المضاربون والمحتكرون في الأسواق. ففي صباح يوم الأحد 20 فبراير المنصرم، أعلنت السلطات المحلية لإقليم القنيطرة تسجيل تدافع ومشاحنات محدودة، بالسوق الأسبوعي حد أولاد جلول، جماعة بنمصور، إقليم القنيطرة.

وحسب معطيات السلطات المحلية، فقد شهد السوق الأسبوعي مشادات بعد تسجيل تصرفات انتهازية ومضاربات غير عادية في أسعار بعض المواد والمنتوجات الاستهلاكية من قبل عدد من الوسطاء، مما نتج عنه أحداث رشق بالحجارة عرفت مشاركة عدد من القاصرين.
وقد تدخلت السلطات المحلية والعمومية من أجل إعادة استتباب الأمن بالسوق الأسبوعي ومواجهة محاولات المضاربين في أسعار المنتجات والسلع المعروضة للبيع. كما تم فتح بحث من طرف السلطات المختصة بغرض اتخاد التدابير اللازمة تجاه المخالفين وفق مقتضيات القانونية الجاري بها العمل.

هذه الواقعة كان يفترض أن تكون مؤشرا سلبيا تلتقطه الحكومة من أجل التحرك بسرعة وقوة لقطع الطريق على من يحاولون التلاعب بالأمن الغذائي للمغاربة، ويهدد بالتالي الأمن العام من هلال هذه التصرفات. فرغم المجهودات التي تبذلها السلطات في عدد من المدن من خلال لجان المراقبة، إلا أن ما وقع مؤخرا من ارتفاع فاحش في أسعار عدد من المواد أكد على أن فئة المضاربين والمحتكرين تظل خارج عيون المراقبة، بالرغم من تأثيرها المباشر على الأسعار.

أزمة الطماطم والفلفل

 قبل مدة من حلول شهر رمضان، ارتفعت بشكل كبير وغير مبرر أسعار الطماطم، لتتجاوز 10 دراهم للكيلوغرام، وتصل إلى 15 درهما في بعض المدن كالرباط، ما جعل المغاربة يتساءلون حول علاقة هذه الأسعار بالأزمة الأوكرانية.

أمام الغضب الذي تفجر في صفوف المواطنين، لم تجد الحكومة غير سياسة الهروب إلى الأمام وربح الوقت، على أمل أن يتحلى المضاربون والشناقة بقليل من المواطنة من أجب تخفيف تحكمهم في سلسلة تسويق هذه المادة واسعة الاستهلاك، خاصة في شهر رمضان.

في البداية، قدم مصطفى بايتاس، وزير العلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، وعدا بأن تنخفض الأسعار خلال 48 ساعة. ربما كانت الحكومة تعيش نوعا من “السذاجة”، أو غابت عنها معطيات دقيقة حول قدرة المضاربين والمحتكرين على ضمان استقرار الأسعار في المستويات التي يحددونها، دون قدرة الفاعل الحكومي على التدخل، وهو الأمر الذي حصل بالفعل.

لقد تدخلت الحكومة لدى المهنيين بعدما انتبهت إلى أن كميات مهمة من الطماطم تم تصديرها إلى الخارج بسبب ارتفاع سعرها في الدول الأوروبية، ما أدى إلى انخفاض الكميات المتوفرة في الأسواق الوطنية بشكل أثر على الاسعار التي اتجهت نحو الارتفاع. ورغم هذا الإجراء، فقد ظلت أسعار الطماطم عصية على الانخفاض، بالرغم من تسجيل بعض التراجع قبل أن تعاود الارتفاع في عز شهر رمضان، بينما تحاول الحكومة التهرب من مسؤوليتها بتصريحات تقول إن هذه المادة متوفرة.

لقد طرحت هذه الأسعار القياسية سؤالا جديا حول الأمن الغذائي للمغاربة. فضمان الأخير لا يعني فقط وفرة المواد الغذائية. فبحسب الإعلان الصادر عن مؤتمر القمة العالمي للأمن الغذائي لسنة 2009، يتحقق الأمن الغذائي عندما تتوافر لجميع الناس، في كل الأوقات، الفرص المادية والاجتماعية والاقتصادية، للحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية، وأذواقهم وتكفل لهم حياة موفورة الصحة والنشاط.

وبالاستناد إلى هذا التعريف، يمكن تحديد أربعة أبعاد للأمن الغذائي وهي توافر الأغذية والقدرة الاقتصادية والمادية للحصول عليها، واستخدام الأغذية واستقرارها مع الوقت. وإذا أسقطنا هذه المحددات على السياق الحالي، يمكن الاعتراف بأن الأمن الغذائي صار مهددا. فلا يمكن الاعتماد على منطق وزير الفلاحة الذي يقول بوفرة المواد الغذائية لنطمئن لأمننا الغذائي، طالما أن فئة واسعة من المواطنين أصبحت تضرب ألف حساب قبل أن تتوجه إلى السوق لاقتناء نصف كيلوغرام من الطماطم. فغياب القدرة الاقتصادية لدى المواطنين في الحصول على المواد الغذائية التي ارتفع سعرها بشكل كبير، يؤكد أن الأمن الغذائي للمغاربة مهدد.

أخضر أم أسود؟

لا أحد يمكن أن ينكر الدور الذي لعبه مخطط المغرب الأخضر في تطوير الفلاحة المغربية، لكن ما يجري اليوم يؤكد أن هناك اختلالات كبيرة وبأن الاهتمام بالفلاحين الكبار وبالفلاحة الموجهة للتصدير ربما كان على حساب قدرتنا على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الفلاحية.

في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، يوم الاثنين المنصرم، تفجر نقاش ساخن تحول إلى مواجهة حادة بين المعارضة والأغلبية، حينما وصف رئيس الفريق التقدم رشيد حموني مخطط المغرب الأخضر بـ”الأسود في عيون الفقراء والأخضر في عيون الشركات”. واتهم البرلماني المنتمي للمعارضة هذا المخطط باستنزاف الفرشة المائية في عدد من المناطق.

رد وزير الفلاحة لم يتأخر، حيث أكد أنه لولا مخطط المغرب الأخضر لوقعت كارثة. وربما يقصد الوزير بهذه الكارثة أن يواجه المغاربة، في ظل هذا السياق الدولي الصعب، “مجاعة حقيقية” بسبب عدم القدرة على توفير المواد الغذائية. لكن ربما كان على الوزير أيضا أن ينتبه إلى أن نتائج المخطط المغرب الأخضر ليست مثالية بكل تأكيد.

ماذا يعني أن يواجه المغرب، خلال سنة واحدة من نقص الأمطار وعدم انتظامها، نقصا حادا في الحبوب المحلية في وقت كان يفترض أن تكون ضمن النتائج الكبرى لمخطط المغرب الأخضر أجوبة حقيقية على الإشكالات المائة. بيد أن الذي وقع خلال سنوات من تنفيذ هذا المخطط هو أن الضيعات الكبرى استنزفت الموارد المائية، السطحية والجوفية، دون أن نقدم حلولا مستدامة ونوعية من أجل سد نقص المياه.

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي