فلاحون كبار وفنادق فاخرة تستهلك حصة الأسد من دعم “البوطا”
قبيل أسابيع من تسليم حكومة سعد الدين العثماني لسلطاتها إلى الفريق الجديد بقيادة عزيز أخنوش، كانت تجري في كواليس الجهاز التنفيذي “طبخة” على نار هادئة لإنهاء دعم الدولة لما تبقى من المواد الاستهلاكية المدرجة في صندوق المقاصة. بدون سابق إنذار، وضعت حكومة سعد الدين العثماني مخططا يقضي بإنهاء دعم السكر والغاز أيضا.
هذه الخطة كانت تقضي بتنفيذ عملية رفع الدعم بشكل تدريجي. المرحلة الأولى تنطلق سنة 2022، يتم من خلالها التحرير التدريجي والتقليص من الحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح. أما المرحلة الثانية، والتي كان يفترض أن تنطلق سنة 2023، فتهم التحرير الكلي للسكر القالب والسكر المجزأ، وكذا التحرير الكلي للحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح. لكن أخطر ما في هذا المخطط هو بدء عملية رفع الدعم تدريجيا عن الغاز، وذلك بنسبة 50 في المائة خلال سنة 2023، ثم المرور إلى تحريره بشكل كامل سنة 2024.
هذا المخطط أثار ضجة كبيرة، ما دفع حكومة سعد الدين العثماني إلى الخروج عن صمتها لنفي عزمها تنفيذ هذا المخطط، أو على الأقل وضعه على طاولة الحكومة المقبلة. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة بقيادة عزيز أخنوش تفادت الاقتراب من هذه “القنبلة الموقوتة”، إلا أن ملف الدعم الخاص بالغاز لازال يشكل عبئا ثقيلا ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة الجديدة.
عمليا، لا مؤشرات لحد الآن على وجود نية لدى الحكومة من أجل رفع الدعم، على لأقل خلال المدى القريب. فقد تضمن مشروع قانون المالية 2022 الاعتمادات اللازمة التي سيتم تخصيصها لصندوق المقاصة من أجل تمويل الدعم الخاص بالسكر والغاز والدقيق، وذلك بتخصيصها لميزانية تزيد عن 1600 مليار سنتيم لتحمل هذه النفقات.
بيد أن الوضع في الأسواق الدولية يجعل الحكومة تعيش حالة من القلق المستمرة من إمكانية ارتفاع أسعار الغاز، مع ما لذلك من تأثير مباشر على نفقات صندوق المقاصة. فوفق المعطيات المتوفرة، فإن تراجع سعر غاز البوطان أدى إلى انخفاض دعمه من 3735 درهما للطن في سنة 2019، أي 45 درهما للقنينة من حجم 12 كلغ، إلى 3232 درهما في سنة 2020، وهو ما يعادل 39 درهما للقنينة من النوع نفسه، أي بتراجع بلغ 13 في المائة.
بلغة أخرى، فإن رفع الدعم من شأنه أن يرفع سعر قنينة الغاز من حجم 12 كلغ إلى 80 درهما على الأقل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يثير غليانا اجتماعيا كبيرا. غير أن هذا التوجه غير مطروح في غياب تصور واضح حول البدائل الممكنة، لاسيما أن نسبة كبيرة من الغاز المدعم لا تهم الأسر، بل يتم استهلاكها داخل الضيعات الفلاحية والفنادق والمطاعم وغيرها.
وبالرغم من ذلك، فإن تقلبات الأسعار في الأسواق الدولية تجعل الحكومة أمام خيارات صعبة ومحدودة. فقد ارتفعت أسعار الغاز في السوق الدولية منذ بداية سنة 2021 بما يقارب الـ300 في المائة، وهي نسبة مرتفع من شأنها أن تؤدي إلى اشتعال الفاتورة الطاقية، وتضع صندوق المقاصة أمام امتحان صعب.
هذا الوضع الصعب تحاول الحكومة أن تتعامل معه بشكل استباقي. فوفق مصادر “ميديا 90” فهناك عدد من السيناريوهات المطروحة، بعيدا عن فكرة رفع الدعم التي تبقى مستبعدة حاليا. ومن بين السيناريوهات المطروحة هناك فكرة اللجوء إلى تأمين دولي “هيدجينغ”. إذ في حالة ارتفاع الأسعار فوق المستوى المحدد في عقد التأمين، يمكن للبنك أو الشركة المتعاقد معها أن تتدخل من أجل أداء الفرق، وهو الأمر الذي من شأنه تخفيف أثر ارتفاع الأسعار.
أما على المستوى السياسي، فهناك اتفاق بين مكونات التحالف الحكومي على عدم المساس بالدعم في المرحلة الحالية، في انتظار خروج بعض البرامج الاجتماعية إلى حيز الوجود، وعلى رأسها السجل الاجتماعي الموحد، الذي سيضع حدا لفوضى الاستفادة من دعم المقاصة من طرف لوبيات اقتصادية حولته إلى ماكينة لإنتاج الريع.
تعليقات ( 0 )