مناظرة التشجيع الرياضي.. صورة المدرج بين الشغف والانفلات

لم تكن مناظرة التشجيع الرياضي التي أطلقتها وزارة الداخلية مجرد تمرين للتشخيص، ولا لحظة بروتوكولية عابرة.

إنها بمثابة صفعة ناعمة توقظ كل من تورط، عن قصد أو غير قصد، في تحويل المدرجات والأزقة والشوارع من فضاء للاحتفال إلى ساحات حرب نفسية، وأحيانا جسدية.

المدرج المغربي تغيّر. أصبح ظاهرة سوسيولوجية معقدة تتداخل فيها السياسة والثقافة والهامش الاجتماعي والغضب المكبوت. لكنه أيضا عنوان فخر وإبداع وشغف لا يُضاهى.

بين هذين الحدين، تتموضع الحقيقة المؤلمة.. هناك خلل يستوجب وقفة صريحة وشجاعة من الجميع، دون استثناء، تبدأ بالنقد الذاتي أولا..

لا يمكن إنكار ما يشهده الشارع الرياضي من مشاهد مؤلمة..اصطدامات دموية، كمائن قرب الملاعب، مواجهات بين الجماهير، وصفحات في مواقع التواصل تهيّج وتحرض، بناء على معطيات زائفة أو إشاعات سامة.

أمام هذا الواقع، تفرض المسؤولية نفسها. ليس فقط على الفصائل، بل على الأندية التي تكتفي غالبا بعلاقات موسمية مع جماهيرها.

إن التواصل مع المشجعين يجب أن يكون مؤسساتيا، دائما لا ظرفيا حين تشتد الأزمة أو تنفجر الفضيحة. جمهور الكرة ليس عبئا، بل رأسمال رمزي، يحتاج فقط إلى التقدير والتأطير.

صحيح أن “الهاكا” تراقب القنوات والإذاعات، لكن من يراقب ما يُبث يوميا في صفحات فايسبوك ويوتيوب وبعض المنابر الإلكترونية من تحريض صريح، وكلام بذيء، وتأليب جماهير نادي ضد آخر؟

هناك خطورة حقيقية في خطاب يُغلف بالكوميديا أو التحليل الرياضي بينما هو في العمق يزرع الكراهية وينفخ في نار التعصب، وأحيانا يُدَسُّ السم في عسل الانتماء.

كما أن بعض المؤثرين والصحفيين، من داخل المنابر أو عبر الميكروفونات، لا يقدّرون حجم التأثير الذي يمارسونه. الكلمة مسؤولية، وليست وسيلة لتصفية الحسابات أو خدمة الأجندات.

بعض قادة الفصائل أصبحوا يملكون تأثيرا يفوق تأثير المدربين والإداريين، بل وحتى الرؤساء.

وهنا لا بد من تحميلهم مسؤولية أخلاقية وثقافية في نشر القيم النبيلة للتشجيع، ونبذ كل سلوك عنيف أو تهديد، سواء داخل الملاعب أو خارجها.

تصريحات المدربين، المسؤولين، وحتى اللاعبين، كثيرا ما تُطلق بشكل انفعالي، فتشعل فتيل الشحن الجماهيري. وهنا، لا بد من ضبط هذه التصريحات ضمن دفاتر تحملات واضحة ومسؤولة، لأن خطاب اللحظة أحيانا قد يكون شرارة الانفجار.

ولا يمكن الحديث عن العنف في الملاعب دون التوقف عند بعض الشعارات ذات الطابع العنصري أو الجهوي، التي باتت تتكرر بين جماهير بعض الأندية، في مدرجات يفترض أن تكون فضاء للوحدة لا للتفرقة.

مثل هذه السلوكيات لا تُعبر فقط عن انزياح خطير في وعي بعض الفئات، بل تغذي بشكل مباشر أجواء الاحتقان والعنف..

في بطولات خارجية، مثل هذه السلوكيات لا تُواجه بالتجاهل، بل بعقوبات صارمة تطال الأندية، وقد تصل حد الخصم من النقاط أو اللعب بدون جمهور. لذلك، فإن فرض الانضباط ليس ترفا، بل ضرورة لحماية صورة اللعبة، ولتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل داخل الملاعب..

الشغف والانتماء والضغط الإيجابي كلها أمور مطلوبة في المدرجات، لكن دون مسؤولية، قد تنقلب هذه المشاعر إلى نقمة. كم من شاب وجد نفسه في السجن بسبب لحظة غضب عابرة؟ كم من أسرة دخلت في دوامة من المعاناة لأن ابنها اختار المقعد الخطأ أو الرفقة الخاطئة، أو الشعارات الخاطئة؟

حياة إنسان، أو مستقبل شاب، أهم من نتيجة مباراة. لا أحد يستحق أن يدفع ثمن لحظة انفلات قد تتحول إلى ندم أبدي.

لكن، كما نحمّل الجمهور مسؤولياته، لا بد أن نؤكد أن للمشجع حقوقا واضحة، تبدأ أولا بالاحترام والتقدير.

فأن تحضر إلى الملعب لا يعني أن تُعامل كخطر أمني، أو أن تُزج في طوابير مهينة، أو تُحرم من أبسط شروط التنظيم.

الملاعب يجب أن تكون فضاءات آمنة ومهيأة، لا مساحات للفوضى أو التعسف.

تحسين البنية التحتية، وتوفير ولوج سلس ومنظم، والتعامل الإنساني مع الجماهير، كلها عناصر لا تقل أهمية عن مكافحة العنف. لأن البيئة التي يُعامل فيها المشجع باحترام، هي نفسها التي تُنتج سلوكا راقيا في التشجيع والانضباط..

هذه المناظرة يجب ألا تكون محطة يتيمة. الرهانات المقبلة كبيرة، والمغرب مقبل على استحقاقات كبرى، كتنظيم كأس إفريقيا، وكأس العالم، ما يفرض أن تصبح هذه اللقاءات لحظة تقييم سنوية.

لأن التشجيع ليس فقط “تيفو” وطبول، بل هو مرآة لما نريده من مجتمعنا، قويا منظما، متسامحا، وراق في التعبير عن هويته..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 1 )
  1. حفيظ :

    وانت ايها الاصلع مادا عن فضيحك في قنا الرياضية bein بعد أن اسمعك المقدم مالذ وطاب من السب والقدح والترهيب دون أن تحرك ساكنا انه التونسي ياسادة

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي