يحتفل العالم يوم 18 نونبر المقبل باليوم العالمي للطفل الذي يعد مناسبةً عالميةً تجدد فيها الأسرة الدولية التزامها بإعلان حقوق الطفل لعام 1959 واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.. وتكمن أهمية هذا الاحتفال العالمي في كونه يسلط الضوء على أبرز التحديات والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مختلف بلدان العالم، والخروج بتوصيات ومقترحات من شأنها رفع تلك التحديات والحد من الانتهاكات، للنهوض بحقوق هذه الفئة الاجتماعية وحمايتها، وضمان المشاركة الواسعة لها ولأجلها في وضع الخطط للمشاريع الوطنية، واحترام آرائها في جميع القضايا المتعلقة بحقوقها، ومنع العنف ضدها والتصدي له ورصده، وتوفير خدمات التربية والتعليم والصحة والاصلاح والادماج الاجتماعي لها.
وعلى الرغم من أن توفير الحماية للأطفال يعدّ من الواجبات الشرعية والقانونية، فإن سوء معاملة الأطفال واستغلالهم، بالإضافة إلى ما يتعرضون له من شتى أنواع العنف، تشكل واحدة من المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي، بما فيه دول العالم الإسلامي اليوم. وتؤكد التقارير والبيانات الدولية والإقليمية أن مئات الملايين من الأطفال في جميع أنحاء العالم، يتعرضون للإيذاء من جراء الحرب والعنف والاستغلال والإهمال وسائر أشكال الإساءة والتمييز، وهم أطفال مصابون بعاهات دائمة، أو يعانون من إصابات بالغة من جراء النزاعات المسلحة، أو مشردون داخلياً، أو أجبروا على الخروج من أوطانهم كلاجئين، أو يشتغلون في ميادين خطرة وغير مأمونة، أو يجري استغلالهم واختطافهم والاتجار بهم لأغراض تجارية غالباً ما تشمل الجنس. كما أن هناك ملايين آخرين من الأطفال أقل ظهوراً للعيان يعيشون في مناخ من العنف في المنازل وفي المدارس والشوارع ومؤسسات الإيواء والرعاية، وفي مرافق الاحتجاز والسجون وسائر جهات نظام قضاء الأحداث. ويتعرض الأطفال المنتمون لأسر المهاجرين من بلدانهم الأصلية والأقليات لمخاطر أكبر. ويعتبر أطفال غزة اليوم أكثر أطفال العالم تعرضا للقتل والتشريد والحرمان من أبسط مقومات العيش الكريم، حيث أكدت منظمة اليونسيف في بيان نشرته على موقعها يوم 8 أكتوبر 2025 أنه يتم ” قتل وتشويه وتهجير الأطفال في غزة، في حرب مدمّرة تُعَدُّ إهانةً لإنسانيتنا جميعاً. تستمر الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة وأجزاء أخرى من قطاع غزة. لا يمكن للعالم، بل ولا ينبغي له، أن يسمح باستمرار هذا الوضع” . وأشارت اليونسيف إلى مقتل أو تشويه 64 ألف طفل في جميع أنحاء قطاع غزة، منهم ما لا يقل عن ألف طفل رضيع. وأبرزت أن عدد أطفال غزة الذين ماتوا بسبب أمراض أو دفنوا تحت الأنقاض غير معروف.
وعلى مستوى العالم الإسلامي، أوصت مؤتمرات الوزراء المعنيين بالطفولة بضرورة توفير الحماية اللازمة للأطفال من كافة أشكال العنف، خاصة الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية في مناطق النزاع والحروب والاحتلال، والعمل على توفير خدمات الصحة العامة والتعليم والخدمات الاجتماعية والرعاية النفسية والتأهيل وإعادة الادماج وتوفيرأماكن للإقامة الآمنة لهؤلاء الأطفال. كما دعت الحكومات إلى وضع خطط عملية واضحة للارتقاء بأوضاع الطفل وضمان كفالة حقوقه، سعياً لتحقيق غد أفضل له وإنهاء كل أشكال معاناته الصحية والنفسية.
لقد كانت عناية رابطة العالم الإسلامي بالأطفال مبتكرة في آلياتها ومتنوعة في برامجها . في هذا الإطار، عقدت الرابطة مؤتمرا إسلاميا في مكة المكرمة في مايو 2019 بعنوان (قيم الوسطية والاعتدال في نصوص القرآن والسنة) ، صدرت عنه “وثيقة مكة المكرمة” التي اعتمدها 1200 عالم ومفكر من مختلف المذاهب والطوائف الدينية في العالم الإسلامي. وفي هذه الوثيقة التاريخية ، تم الـتأكيد على حق الطفل في الصحة والتربية والتعليم والتحصين من الانحراف حيث ورد في البند رقم 26 أن “العناية بالطفل صحيا وتربويا وتعليميا طليعة مسؤوليات الدول والهيئات والمؤسسات الأممية والأهلية ذوات الصلة ، فضلا عن مسؤوليات الأسرة وبخاصة العمل على صياغة فكره بما يوسع آفاقه ويعزز قدراته ويمكن لفرص إبداعه ومهارات تواصله ، ويحصنه من الانحراف”.
وتتمثل عناية رابطة العالم الإسلامي بالطفولة في تدابير ومبادرات عديدة، أشرف عليها بتفان وإخلاص وبرؤية حكيمة ومتبصرة ، أمينها العام فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى . و تجليات تلك العناية دعم جهود الإغاثة في مناطق النزاع واللجوء، وتوفير التعليم والرعاية الصحية، والعمل مع منظمات مثل اليونيسف لتلبية احتياجات الأطفال الأكثر ضعفاً. وتشمل جهود الرابطة ضمان استفادة الأطفال من الخدمات الأساسية مثل الصحة والتغذية، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم. كما تدعم الرابطة مبادرات دولية تركز على تعليم الفتيات.
وقامت الرابطة بدعم جهود اليونيسف لتلبية احتياجات الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث خصصت في شهر سبتمبر من عام 2020 مليون دولار أمريكي لدعم احتياجات الأطفال المستضعفين في عددٍ من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسطها ، وتوفيرالخدمات واللوازم الإنسانية في قطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية . وفي شهر أغسطس من عام 2021 ، وقعت رابطة العالم الإسلامي اتفاقية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تم بموجبها تقديم منحة لدعم أنشطة وفعاليات مشروع تدخلات حماية الطفل الذي تنفذه المفوضية في شمال شرق نيجيريا . وساهمت هذه الاتفاقية في جهود إنقاذ الأطفال النازحين ، وتوفير تدخلات حيوية لحماية المعرضين منهم لخطر الاتجار بالبشر أو ضحاياه، ولا سيما الفتيات، إضافة إلى دعم أنشطة الجهات الحكومية المعنية لتحسين خدمات حماية الطفل. وفي شهر ديسمبر من عام 2022، أبرمت رابطة العالم الإسلامي اتفاقية شراكة مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في جنيف ، كان من بين أهدافها حماية الأطفال ، ومنع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي . وفي شهر يناير من عام 2025 وقعت الرابطة مع منظمة اليونسيف اتفاقية بقيمة 1.5 مليون دولار أمريكي لتعزيز برامج التعليم وبناء المهارات في تشاد وباكستان وتحسين خدمات الأمومة وحديثي الولادة ورعاية الأطفال في أفغانستان. وذلك على هامش المؤتمر العالمي حول مبادرة رابطة العالم الإسلامي بعنوان «تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة: التحديات والفرص»، والذي عقد في إسلام آباد. وقامت الرابطة في شهر ديسمبر من عام 2024 بصرف مخصصات لفائدة 2000 طفل يتيم بالتعاون مع هيئات رسمية معتمدة حكوميًّا في الدول المغاربية ، بهدف تمكينهم من الاستقرار المعيشي والانتظام التعليمي، والتطلع لمستقبلٍ أفضل لأنفسهم ومجتمعهم.
لقد تعاونت رابطة العالم الإسلامي لسنوات عديدة، مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة المهتمة بالطفولة حيث تم تحقيق نتائج ملموسة للأطفال ، بغض النظر عن انتمائهم الديني والعرقي واللغوي والجغرافي والوصول إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر من خلال الإمدادات والخدمات الإنسانية في مجالات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وبفضل هذا التعاون تحققت منجزات عديدة أثمرت حلولا مستدامة مكنت من تلبية الاحتياجات الملحة للأطفال وأسرهم في جميع أنحاء العالم.
وفي هذه المساعي الإنسانية النبيلة ، كانت رابطة العالم الإسلامي ملتزمة بميثاقها الذي يدعو الأمم عامة الى التسابق في ميدان العمل لخير البشرية واسعادها وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفرادها وايجاد المجتمع الانساني الأفضل. كما استطاعت الالتزام بأهداف هذا الميثاق الداعي إلى التعريف بالإسلام وبيان حقائقه وقيمه السمحة وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
د. المحجوب بنسعيد
الشبكة الدولية للصحافيين العرب والأفارقة





تعليقات
0